قلت: { رجلين }: بدل من " مثلاً " ، وجملة { جعلنا... } بتمامها: بيان للتمثيل، أو صفة لرجلين، و { ما شاء الله }: خبر، أي: هذا ما شاء الله، أو الأمر ما شاء الله، أو مبتدأ حُذف الخبر، أي: الذي شاء الله كائن، أو شرطية، والجواب محذوف، أيْ: أيّ شيء شاء الله كان، و { هنالك }: ظرف مقدم، و { الولاية }: مبتدأ، والظرف: إشارة إلى الآخرة، وهذا أحسن. يقول الحقّ جلّ جلاله: { واضربْ لهم } أي: للفريقين فريق المؤمنين والكافرين المتقدمين، { مَّثَلاً } من حيث عصيان الكافر، مع تقلبه في النعيم، وطاعة المؤمن، مع مكابدته مَشَاقَّ الفقر، وما كان مآلهما، لا من حيث ما ذكر من أن للكافر في الآخرة كذا وللمؤمن كذا، أي: واضرب لهم حالي { رجُلَيْن } مقدرين أو محققين، هما أخوان من بني إسرائيل، أو شريكان: كافر، واسمه قُطروس، ومؤمن، اسمه يهوذا، اقتسما ثمانية آلاف دينار، أو ورثَاها من أبيهما، فاشترى الكافر بنصيبه ضياعًا وعقارًا، وصرف المؤمن نصيبه إلى وجوه البر. رُوِيَ: أن الكافر اشترى أرضًا بألف دينار، فقال صاحبه المؤمن: اللهم إن فلانًا اشترى أرضًا بألف، وإني أشتري منك أرضًا في الجنة بألف، فتصدق بألف دينار، ثم إن صاحبه بنى دارًا بألف دينار، فقال المؤمن: اللهم إن صاحبي بنى دارًا بألف، وإني أشتري منك دارًا في الجنة بألف، فتصدق بألف دينار، ثم إن صاحبه تزوج امرأة بألف دينار، فقال: اللهم، إن فلانًا تزوج بألف دينار، وإني أخطب منك من نساء الجنة بألف، فتصدق بألف دينار، ثم إن صاحبه اشترى خادمًا ومتاعًا بألف دينار، فقال: اللهم إن فلاناً اشترى خادماً ومتاعاً بألف، وإني أشتري منك خادماً ومتاعاً من الجنة بألف، فتصدق بألف دينار، ثم أصابته حاجة، فقال: لعل صاحبي يُناولني معروفه، فأتاه، فقال: ما فعل مالك؟ فأخبره قصته، فقال: أو إنك لمن المصدقين بهذا؟ والله لا أعطيك شيئًا، فلما تُوفيا آل أمرهما إلى ما ذكر الله في سورة الصافات بقوله:{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } [الصافات: 51، 52] الآية. وبيَّن حالهما في الدنيا بقوله: { جعلنا لأحدهما } وهو الكافر، { جنتين }: بساتين { من أعنابٍ }: من كروم متنوعة، { وحفَفناهما بنَخْلٍ } أي: جعلنا النخل محيطة بهما محفوظًا بها كرومهما، { وجعلنا بينهما }: وسطهما { زرعًا } ليكون كل منهما جامعًا للأقوات والفواكه، متواصل العمارة، على الهيئة الرائقة، والوضع الأنيق. { كلتا الجنتين آتت أُكُلَها }: ثمرها وبلغ مبلغًا صالحًا للأكل، { ولم تَظْلِم منه شيئًا } أي: لم تنقص من أكلها شيئًا في كل سنة، بخلاف سائر البساتين، فإن الثمار غالبًا تكثر في عام وتقل في عام، { وفجَّرْنا خِلالهما }: فيما بين كل من الجنتين { نَهَرًا } على حدةٍ، وقرئ بالسكون.