الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }

قلت: { تزاور } أصله: تتزاور، فأُدغمت التاء في الزاي. وقرأ الكوفيون بحذفها، وابن عامر ويعقوب: " تَزَوَّرُ " كتَمرد، كلها من الزَّوْر بمعنى الميل. و { ذات اليمين }: ظرف بمعنى الجهة. وجملة: { وهم في فجوة }: حال، و { ذراعيه }: مفعول " باسط " لأنه حكاية حال، أي: يبسط، و { فرارًا }: مصدر لأنه عبارة عن معنى التولية، أو حال، أي: لوليت فارًا، و { رُعْبًا }: مفعول ثان لملئت، أو تمييز. يقول الحقّ جلّ جلاله: في بيان حالهم بعدما أووا إلى الكهف: { وترى الشمسَ إِذا طلعت تزَاورُ } أي: تنتحي وتميل { عن كهفهم } الذي أووا إليه، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب. وليس المراد الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقًا، بل الإنباء بكون الكهف بحيث لو رأيته ترى الشمس إذا طلعت تميل عن كهفهم { ذاتَ اليمين } أي: جهة ذات يمين الكهف، عند الداخل إلى قعره، { وإِذا غَرَبَت } أي: وتراها إذا غربت { تَقْرِضُهم } أي: تقطعهم وتتعدى عنهم { ذاتَ الشمال } أي: جهته وجانبه الذي يلي المشرق. وكان ذلك بتصريف الله تعالى على منهاج خرق العادة كرامة لهم. وقيل: كان باب الكهف شماليًا يستقبل بنات نعش، { وهم في فجوةٍ منه }: في موضع واسع منه، وذلك موقع لإصابة الشمس، ومع ذلك يُنحيها الله عنهم. { ذلك من آيات الله } أي: ما صنع الله بهم من ميل الشمس عنهم عند طلوعها وغروبها، من آيات الله العجيبة الدالة على كمال علمه وقدرته، وفضيلة التوحيد وكرامة أهله عنده سبحانه. قال بعضهم: هذا قبل سد دقيانوس باب الكهف، قلت: كان قبل السد وبعد هدم السد لأنه هُدم بعدُ، فما قام أهل الكهف حتى وجدوه مهدومًا. وظاهر الآية يُرجح من قال: إنه من باب خرق العادة. { مَن يَهدِ الله فهو المهتدِ } الذي أصاب الفلاح. والمراد: إما الثناء عليهم، والشهادة بإصابة المطلوب، والإخبار بتحقيق ما أمَّلُوه من نشر الرحمة وتهيئة المرافق، أو التنبيه على أن أمثال هذه الآية كثيرة، ولكن المنتفع بها هو مَنْ وفقه الله وهداه للاستبصار بها، { ومن يُضلل } أي: يخلق فيه الضلال بصرف اختياره إليه، { فلن تجد له } ، ولو بالغت في التتبع والاستقصاء، { وليًّا }: ناصرًا { مُرشدًا } ، يهديه إلى ما ذكر من الفلاح. والجملة معترضة بين أجزاء القصة. ثم قال: { وتحسبُهُم } بالفتح والكسر، أي: تظنهم { أيقاظًا } ، لانفتاح أعينهم، أو لكثرة تقلبهم، وهو جمع " يقظ " بظم القاف وكسرها، { وهم رقود } أي: نيام، { ونُقلِّبهم } في رقودهم { ذاتَ اليمين } أي: جهة تلي أيمانهم، { وذات الشمال } أي: جهة تلي شمائلهم لكي لا تأكل الأرضُ ما يليها من أبدانهم. قال ابن عباس رضي الله عنه: لو لم يتقلبوا لأكلتهم الأرض.

السابقالتالي
2