الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } * { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { إِن الذين آمنوا } بآيات ربهم ولقائه، { وعملوا } الأعمال { الصالحات كانت لهم } فيما سبق من حكم الله تعالى ووعده، { جنَّاتُ الفردوسِ } ، وهي أعلى الجنان. وعن كعب: أنه ليس في الجنة أعلى من جنة الفردوس، وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أي: أهل الوعظ والتذكير من العارفين. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " في الجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ، ما بَيْنَ كُل دَرَجتين كما بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْض، أَعلاها الفِرْدَوس، ومِنْها تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجنَّةِ، فَوْقَها عَرْشُ الرحمن، فإذَا سَأَلْتُمُ اللهُ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ " وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: " جنان الفردوس أربع: جنتان من فِضَّةٍ، أبنيتهما وآنيتُهُما، وجنَّتان من ذهب، أبنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظُرُوا إلى ربهمْ إلا رِدَاءُ الكبْرياءِ على وَجْهِه " وقال قتادة: الفردوس: ربوة الجنة. وقال أبو أمامة: هي سرة الجنة. وقال مجاهد: الفردوس: البستان بالرومية. وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة الأشجار. كانت لهم { نُزُلاً } أي: مقدمة لهم عند ورودهم عليه، على حذف مضاف، أي: كانت لهم ثمار جنة الفردوس نُزلاً، أو جعلنا نفس الجنة نُزلاً، مبالغةً في الإكرام، وفيه إيذان بأن ما أعدَّ الله لهم على ما نطق به الوحي على لسان النبوة بقوله: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر " هو بمنزلة النُزُل بالنسبة إلى الضيافة وما بعدها، وإن جُعِلَ النُزل بمعنى المنزل فظاهر. { خالدين فيَبْغُون عنها حِوَلاً } أي: لا يطلبون تحولاً عنها إذ لا يتصور أن يكون شيء أعز عندهم، وأرفع منها، حتى تنزع إليه أنفسهم، أو تطمح نحوه أبصارهم. ونعيمهم مجدد بتجدد أنفاسهم، لا نفادَ له ولا نهاية لأنه مكون بكلمة " كن " ، وهي لا تتناهى. قال تعالى: { قل لو كان البحرُ } أي: جنس البحر { مِدَادًا } ، وهو ما تمد به الدواة من الحِبْر، { لِكلماتِ ربي } وهي ما يقوله سبحانه لأهل الجنة، من اللطف والإكرام، مما لا تكيفُه الأوهام، ولا تحيط به الأفكار، فلو كانت البحار مدادًا والأشجار أقلامًا لنفدت، ولم يبق منها شيء، { قبل أن تنفد كلماتُ ربّي } لأن البحار متناهية، وكلمات الله غير متناهية. ثم أكّده بقوله: { ولو جئنا بمثله مدَدًا } أي: لنفد البحر من غير نفاد كلماته تعالى، هذا لو لم يجيء بمثله مددًا، بل ولو جئنا بمثله { مددًا } عونًا وزيادة لأن ما دخل عالم التكوين كله متناهٍ. { قل } لهم: { إِنما أنا بشرٌ مثلكم } يتناهى كلامي، وينقضي أجلي، وإنما خُصصت عنكم بالوحي والرسالة { يُوحى إِليَّ } من تلك الكلمات: { أنما إِلهكم إِله واحد } لا شريك له في الخلق، ولا في سائر أحكام الألوهية، { فمن كان يرجو لقاء ربه }: يتوقعه وينتظره، أو يخافه، فالرجاء: توقع وصول الخير في المستقبل، فمن جعل الرجاء على بابه، فالمعنى: يرجو حسن لقاء ربه وأن يلقاه لقاء رضى وقبول.

السابقالتالي
2 3