الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } * { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } * { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }

قلت: { وإن }: مخففة من الثقيلة في الموضعين، واسمها: ضمير الشأن، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، أي: إن الشأن قاربوا أن يفتنوك. و { سُنَّة }: مفعول مطلق، أي: سنَّ الله ذلك سنة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وإِن كادُوا } أي: كفار العرب، { ليَفتنونُك عن الذي أوحينا إِليك } من أمرنا ونهينا، ووعدنا ووعيدنا، { لتفتريَ علينا غيره } لتقول ما لم أقل لك، مما اقترحوا عليك. نزلت في ثقيف، إذ قالوا للنَّبي صلى الله عليه وسلم: لا نَدْخُلُ في أَمْركَ حتى تُعْطِينَا خِصَالاً نَفْتَخِرُ بها على العَرَبِ: لا نُعشَّرُ، وَلا نُحشَّرُ، وَلاَ نَحْنِي في صَلاَتِنَا، وكُلُّ رِبًا لنَا فهُو لنَا، وكلُّ رِبًا عَلَيْنَا فهو مَوْضُوعٌ، وأنْ تُمَتِّعنا باللات سَنَةً، وأن تُحَرِّمَ وَادِيَنا كما حرمت مكة، فإذا قالت العَرَبُ: لِمَ فَعَلْتَ؟ فقُل: الله أَمَرَنِي بذلك. فأبى عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وخيب سعيهم. فالآية، على هذا، مدنية. وقيل: في قريش، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نُمكنك من استلام الحجر، حتى تلمّ بآلهتنا، وتمسّها بيدك. وقيل: قالوا: اقبل بعض أمرنا، نقبل بعض أمرك، والآية، حينئذ، مكية كجميع السورة. { وإِذًا لاتخذوكَ خليلاً } أي: لو فعلت ما أرادوا منك لصرت لهم وليًا وحبيبًا، ولخرجت من ولايتي، { ولولا أن ثبتناك } على ما أنت عليه من الحق بعصمتنا لك، { لقد كِدتَ تركنُ إليهم شيئًا قليلاً } من الركون، الذي هو أدنى ميل، أي: لولا أن عصمناك، لقاربت أن تميل إليهم لقوة خدعهم، وشدة احتيالهم. لكن عصمتنا منعتك من المقاربة. وهو صريح في أنه - عليه الصلاة والسلام - ما هَمَّ بإجابتهم، مع قوة الداعي إليها، ولا قارب ذلك. وهو دليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه، قاله البيضاوي. وفيه رد على ابن عطية، حيث قال: قيل: إنه هَمَّ بموافقتهم، لكن كان ذلك خطرة، والصواب: عدم ذلك لأن التثبيت والعصمة مانعٌ من ذلك. وقد أجاد القشيري في ذلك، ونصه: ضربنا عليكَ سرادقات العصمة، وآويناكَ في كنف الرعاية، وحفظناك عن خطر اتباع هواك، فالزَّلَلُ منك محال، والافتراءُ في نعتك غير موهوم، ولو جَنَحْتَ لحظةً إلى جانب الخلاف لَتَضَاعَفَتْ عليكَ شدائدُ البلاء لكمالِ قَدْرِك وعُلُوِّ شأنك فإنَّ كل مَنْ هو أعلى درجةً فَذَنْبُه - لو حصل - أشدُّ تأثيرًا. { ولولا أن ثبتناك... } الآية: لو وكلناك ونَفسَكَ، ورفعنا عنك ظِلَّ العصمة، لقاربت الإلمام بشيء مما لا يجوز من مخالفة أمرنا، ولكِنَّا أفردناك بالحفظ، بما لا تتقاصر عنكَ آثاره، ولا تَغْرُبُ عن ساحتك أنواره. { إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة وضَعْف الممات } ، هبوط الأكابر على قدر صعودهم. هـ. { إِذًا } أي: لو قاربت أن تركن إليهم أدنى ركون { لأذقناك ضِعف } عذاب { الحياة } { وضِعْفَ } عذاب { الممات } ، أي: مِثْلِيْ ما يُعَذِّبُ غيرك في الدنيا والآخرة لأن خطأ الخطير أخطر.

السابقالتالي
2