الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { وقضينا إلى بني إِسرائيل } أي: أخبرناهم وأوحينا إليهم { في الكتاب } التوراة، وقلنا: والله { لتُفسدنَّ في الأرض مرتين } الخ. أو: قضينا عليهم { في الكتاب } اللوح المحفوظ، { لتُفسدنَّ في الأرض مرتين } الخ. أو: قضينا عليهم { في الكتاب }: اللوح المحفوظ، { لتُفسدُنَّ في الأرض مرتين } أي: إفسادتين، أُولاهُمَا: مخالفة أحكام التوراة وقتل أشعياء، وقيل: أرمياء. وثانيتهما: قتل زكريا ويحيى، وقَصْدُ قتل عيسى عليه السلام، { ولتَعلُنَّ عُلوًّا كبيرًا } ولتستكبرن عن طاعة الله، أو لتظلمن الناس وتستعلون عليهم علوًا كبيرًا. { فإِذا جاء وعدُ } عقاب { أُولاهما } أي: أول مرتي الإفساد بأن أفسدوا في الأرض المرة الأولى { بعثنا عليكم عبادًا لنا } بختنصر وجنوده { أُولي بأس شديد } ذوي قوة وبطش في الحرب شديد، { فجاسوا } فترددوا لطلبكم { خلال الديار } وسطه للقتل أو الغارة، فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم، وحرقوا التوراة، وخربوا المسجد. وفي التذكرة للقرطبي: أنه سلط عليهم في المرة الأولى بخُتنصر، فسباهم، ونقل ذخائر بيت المقدس على سبعين ألف عَجَلَة، وبقوا في يده مائة سنة. ثم رحمهم الله تعالى وأنقذهم من يده، على يد ملك من ملوك فارس، ثم عصوا، فسلط عليهم ملك الروم قيصر. هـ. قال تعالى: { وكان وعدًا مفعولاً } أي: وكان وعد عقابهم وعدًا مقضيًا لا بدّ أن يُفعل. { ثم رددنا لكم الكرّة } أي: الدولة والغلبة { عليهم } أي: على الذين بُعثوا عليكم، فرجع المُلك إلى بني إسرائيل، واستنقذوا أسراهم، فقيل: على يد " بهْمَن بن إسفنديار " ملك فارس، فاستنقذهم، ورد أسراهم إلى الشام، وملَّكَ دَانْيال عليهم، فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر، وقيل: على يد داود عليه السلام حين قتل جالوت. قال تعالى: { وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثرَ نفيرًا } أي: عددًا مما كنتم. والنفير: من ينفر مع الرجل من قومه، وقيل: جمع نَفر، وهم: المجتمعون للذهاب إلى الغزو. ثم قال تعالى لهم: { إِنْ أحسنتم } بفعل الطاعة والعمل الصالح، { أَحْسَنْتُمْ لأنفسكم } لأن ثوابه لها، { وإِن أسأتم فلها } فإنَّ وبالها عليها. وذكر باللام للازدواج. { فإِذا جاء وعدُ الآخرة } أي: وعد عقوبة المرة الأخيرة، بأن أفسدوا في المرة الآخرة، بعثنا عليكم عبادًا لنا آخرين، أُولي بأس شديد { ليَسُؤوا وجوهكم } ، يجعلوها تظهر فيها آثار السوء والشر، كالكآبة والحزن، كقوله:سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [المُلك: 27] { وليدخلوا المسجد } بيت المقدس { كما دخلوه أول مرة وليُتبروا } وليُهلكوا { ما عَلوا } عليه { تتبيرًا } إهلاكًا، أو مدة علوهم. قال البيضاوي: وذلك بأن الله سلَّط عليهم الفرس مرة أخرى، فغزاهم ملكُ بابِل، اسمه " حَرْدُون " ، وقيل: " حَرْدوس " ، قيل: دخل صاحب الجيش مَذبح قرابينهم، فوجد دمًا يغلي، فسأل عنه، فقالوا: دم قربان لم يُقبل منا.

السابقالتالي
2