الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } * { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } * { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { قلْ } يا محمد: { لو كان معه } في الوجود { آلهةٌ } تستحق أن تُعبد، { كما تقولون } أيها المشركون، أو كما يقول المشركون أيها الرسول، { إِذًا لابتَغَوا } لطلبوا { إلى ذي العرش سبيلاً } طريقًا يقاتلونه. وهذا جواب عن مقالتهم الشنعاء. والمعنى: لطلبوا إلى من هو ملك الملك طريقًا بالمعاداة، كما تفعل الملوك بعضهم مع بعض. وهذا كقوله:إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [المؤمنون: 91]. وقيل: لابتغوا إليه سبيلاً بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته، وتحققهم بعجزهم، كقوله:أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } [الإسرَاء: 57]. ثم نزّه نفسه عن ذلك فقال: { سبحانه } تنزيهًا له { وتعالى } ترافع { عمّا يقولون } من الشركاء، { عُلوًا } تعاليًا { كبيرًا } لا غاية وراءه. كيف لا وهو تعالى في أقصى غاية الوجود! وهو الوجوب الذاتي، وما يقولونه من أنَّ له تعالى شركاء وأولادًا، في أبعد مراتب العدم، أعني: الامتناع لأنه من خواص المحدثات الفانية. { يسبح له السماواتُ السبعُ } أي: تنزهه، { والأرضُ ومَن فيهن } كلها تدل على تنزيهه عن الشريك والولد، { وإِنْ من شيء إِلا يُسبح بحمده } ينزهه عما هو من لوازم الإمكان، وتوابع الحدوث، بلسان الحال، حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم، الواجب لذاته. قاله البيضاوي. وظاهره: أن تسبيح الأشياء حَالِيُّ لا مقالي، والراجح أنه مقالي. ثم مع كونه مقالياً لا يختص بقول مخصوص، كما قال الجلال السيوطي، أي: تقول: سبحان الله وبحمده. بل كل أحد يُسبح بما يناسب حاله. وإلى هذا يرشد كلام أهل الكاشف، حتى ذكر الحاتمي: أن من لم يسمعها مختلفة التسبيح لم يسمعها، وإنما سمع الحالة الغالبة عليه. وورد في الحديث: " ما اصطيد حوت في البحر، ولا طائر يطير، إلاَّ بما ضيع من تسبيح الله تعالى " وفي الحديث أيضًا: " ما تطلع الشمس فيبقى خلق من خلق الله، إلا يسبح الله بحمده، إلا ما كان من الشيطان وأعتى بني آدم ". ومذهب أهل السنة: عدم اشتراط البِنية للعلم والحياة، فيصح الخشوع من الجماد، والخشية لله والتسبيح منه له. وقد قال ابن حجر على حديث حنين الجذع: فيه دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكًا كالحيوان، بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لمن يحمل قوله: { وإِن من شيء إِلا يُسبح بحمده } على ظاهره. هـ. وقال ابن عطية: اختلف أهلُ العلم في هذا التسبيح فقالت فرقة: هو تجوز، ومعناه: أن كل شيء تبدو فيه صفة الصانع الدالة عليه، فتدعو رؤية ذلك إلى التسبيح من المعتبر. وقالت فرقة: قوله: { من شيء }: لفظه عموم، ومعناه الخصوص في كل حي ونام، وليس ذلك في الجمادات الميتة.

السابقالتالي
2