الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } * { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } * { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } * { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } * { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً }

قلت: قفا الشيء يقفوه: تبعه. والضمير في " عنه ": يجوز أن يعود لمصدر " لا تَقْفُ " ، أو لصاحب السمع والبصر. وقيل: إن " مسؤولاً " مسند إلى " عنه " كقوله تعالى:غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } [الفَاتِحَة: 7]، والمعنى: يسأل صاحبه عنه، وهو خطأ لأن الفاعل وما يَقوم مقامه لا يتقدم. قاله البيضاوي. قال ابن جزي: الإشارة في " أولئك ": إلى السمع والبصر والفؤاد، وإنما عاملها معاملة العقلاء في الإشارة بأولئك لأنها حواس لها إدراك، والضمير في " عنه ": يعود على " كل " ، ويتعلق " عنه " بمسؤُولاً. هـ. وضمير الغائب يعود على المصدر المفهوم من " مسؤولاً ". و { مَرَحًا }: مصدر في موضع الحال. و { مكروهًا }: نعت لسيئة، أو بدل منها، أو خبر ثان لكان. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ولا تَقْفُ } تتبع { ما ليس لك به علمٌ } ، فلا تقل ما لا تحقيق لك به من ذم الناس ورميهم بالغيب. فإذا قلت: سمعتُ كذا، أو رأيت كذا، أو تحقق عندي كذا، مما فيه نقص لأحد، فإنك تُسأل يوم القيامة عن سند ذلك وتحقيقه. وهذا معنى قوله: { إِنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً }. قال البيضاوي: ولا تتبع ما لم يتعلق علمك به تقليدًا، أو رجمًا بالغيب. واحتج به من منع اتباع الظن، وجوابه: أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند، سواء كان قطعيًا أو ظنيًا إذ استعماله بهذا المعنى شائع. وقيل: إنه مخصوص بالعقائد. وقيل: بالرمي وشهادة الزور، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: " من قَفَا مُؤْمنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ، حَبَسَهُ اللهُ فِي رَدْغَةِ الخَبَالِ، حَتَّى يَأتِيَ بِالمَخْرَجِ " { إِن السمعَ والبصرَ والفؤاد كلُّ أولئك } أي: كل هذه الأعضاء الثلاثة { كان عنه مسؤولاً } كل واحد منها مسؤول عن نفسه، يعني: عما فعل به صاحبه. هـ. مختصرًا. { ولا تمشِ في الأرض مرحًا } أي: ذا مرح، وهو: التكبر والاختيال، { إِنك لن تخرق الأرضَ } لن تجعل فيها خرقًا لشدة وطأتك { ولن تبلغ الجبال طُولاً } تتطاول عليها عزّا وعلوا، وهو تهكم بالمختال، وتعليل للنهي، أي: إذا كنت لا تقدر على هذا، فلا يناسبك إلا التواضع والتذلل بين يدي خالقك، { كلُّ ذلك } المذكور، من قوله: { لا تجعل مع الله إلهًا آخر } إلى هنا، وهي: خَمْسٌ وعشرون خصلة، قال ابن عباس: إنها المكتوبة في ألواح موسى، فكل ما ذكر { كان سَيّئة عند ربك } أي: خصلة قبيحة { مكروهًا } أي: مذمومًا مبغوضًا. والمراد بما ذكر: من المنهيات دون المأمورات. { ذلك مما أَوحى إِليك ربُّك من الحكمة } التي هي علم الشرائع، أو معرفة الحق لذاته، والعلم للعمل به.

السابقالتالي
2 3