الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } * { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } * { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

قلت: { خشية }: مفعول من أجله لأن الخشية قلبية، بخلاف الإملاق، فإنه حسي فَجُرَّ بمن في سورة الأنعام. وهذه الآية في أغنياء العرب، الذين كانوا يخشون وقوع الفقر، وما في " الأنعام " نزلت في فقرائهم، الذين كان الفقر واقعًا بهم، ولذلك قدَّم هناك كاف الخطاب، وأخَّره هنا، فتأمله. و " خِطًا " يقال: خطئ خطأ، كأثم إثمًا. وقرأ ابن عامر: " خَطأً " ، بفتحتين، فهو إما اسم مصدر أخطأ، أو لغة في خطئ، كمِثل ومَثل، وحِذر وحَذر. وقرأ ابن كثير: " خِطاء " بالمد، إما لغة، أو مصدر خاطأ. انظر البيضاوي. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ولا تقتلوا أولادكم } مخافة الفاقة المستقبلة، وقد كانوا يقتلون البنات - وهو الوأد - مخافة الفقر، فنهاهم، عن ذلك، وضمن لهم أرزاقهم، فقال: { نحن نرزقهم وإِياكم إِنَّ قتلهم كان خِطأً } إثمًا { كبيرًا } لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع وإيلام الروح. { ولا تقربوا الزنا } ، نهى عن مقاربته بالمقدمات. كالعزم والنظر وشبهه، فأحرى مباشرته، { إِنه كان فاحشةً } أي: فعلة ظاهرًا فُحشها وقُبحها، { وساء سبيلاً } قبح طريقًا طريقُهُ، وهو غصب الأبْضاع لما فيه من اختلاط الأنساب وهتك محارم الناس، وتهييج الفتن. { ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّم اللهُ إِلا بالحق } إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنى بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمدًا، كما في الحديث. ويلحق بها أشياء في معناها: كالحِرَابَةِ، وترك الصلاة، ومنع الزكاة. { ومن قُتل مظلومًا } أي: غير مستوجب للقتل { فقد جعلنا لوَليِّه } أي: الذي يلي أمره بعد وفاته، وهو الوارث، { سُلطانًا } تسلطًا بالمؤاخذة بمقتضى القتل بأخذ الدية، أو القصاص، وقوله: { مظلومًا }: يدل على أن القتل عمد لأن الخطأ لا يُسمى ظلمًا. أو: جعلنا له حجة غالبة، { فلا يُسرفْ في القتل } بأن يقتل من لا يحق قتله، أو بالمثلة، أو قتل غير القاتل، { إِنه } أي: الولي { كان منصورًا } حيث وجب القصاص له، وأمر الولاة بمعونته. أو: إنه، أي: المقتول، كان منصورًا في الدنيا بثبوت القصاص ممن قتله، وفي الآخرة بالثواب. { ولا تقربُوا مالَ اليتيم } فضلاً عن أن تتصرفوا فيه { إِلا بالتي هي أحسنُ } إلا بالطريقة التي هي أحسن، كالحفظ والتنمية، { حتى يبلغ أشُدَّه } حتى يتم رشده، ثم يدفع له، فإن دفعه لمن يتصرف فيه بالمصلحة فلا بأس، { وأوفُوا بالعهد } إذا عاهدتم الله أو الناس، { إِن العهد كان مسؤولاً } أي: مطلوبًا الوفاء به، فيطلب من المعاهد ألا يُضيعه، أو: مسؤولاً عنه، فيُسأل عنه الناكث ويُعاتب عليه، أو: يُسأل العهد نفسُه لِمَ نكثْتَ، تبكيتًا للناكث، { وأوفوا الكيل إِذا كِلْتُم } ولا تبخسوا فيه، { وزِنُوا بالقسطاس المستقيم } بالميزان السّوي.

السابقالتالي
2