الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } * { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } * { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } * { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }

قلت: تقديم المعمول، هو { بالحق }: يُؤذن بالحصر. و { قرآنًا }: مفعول بمحذوف يُفسره ما بعده. يقول الحقّ جلّ جلاله: في شأن القرآن: { وبالحقِّ أنزلناه وبالحق نَزَل } أي: ما أنزلنا القرآن إلا ملتبسًا بالحق، المقتضي لإنزاله، وما نزل إلا بالحق الذي اشتمل عليه من الأمر والنهي، والمعنى: أنزلناه حقًا مشتملاً على الحق. أو: ما أنزلناه من السماء إلا محفوظًا بالرصَد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظًا من تخليط الشياطين. ولعل المراد: عدم اعتراء البطلان له أولاً وآخرًا. { وما أرسلناك إِلا مبشرًا } للمطيعين بالثواب، { ونذيرًا } للعاصين بالعقاب، وهو تحقيق لحقية بعثه - عليه الصلاة والسلام - إثر تحقيق حقية إنزال القرآن. { وقرآنًا فَرَقْنَاهُ } أي: أنزلناه مفرقًا منجمًا في عشرين سنة، أو ثلاث وعشرين. قال القشيري: فرَق القرآن ليهون حفظه، ويكثر تردد الرسول عليه من ربه، وليكون نزوله في كل وقت، وفي كل حادثة وواقعة دليلاً على أنه ليس مما أعانه عليه غيره. هـ. { لتقرأه على الناس على مُكْثٍ } على مهلٍ وتؤدة وتثبتٍ فإنه أيسر للحفظ، وأعون على الفهم، { ونزلناه تنزيلاً } على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، والحوادث الواقعة. { قل } للذين كفروا: { آمِنُوا به أو لا تُؤمنوا } ، فإنَّ إيمانكم لا يزيده كمالاً، وامتناعكم منه لا يزيده نقصانًا. أو: أُمِرَ باحتقارهم وعدم الاكتراث بهم، كأنه يقول: سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا لأنكم لستم بحجة، وإنما الحجة لأهل العلم، وهم: المؤمنون من أهل الكتاب، الذين أشار إليهم بقوله: { إِن الذين أُوتوا العلم من قَبْلِهِ } أي: العلماء الذين قرأوا الكتب السالفة من قبل تنزيله، وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة، وتمكنوا من التمييز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل، { إِذا يُتلى عليهم } القرآن { يَخرُّون للأذقانِ } أي: يسقطون على وجوههم { سُجَّدًا } تعظيمًا لأمر الله، أو شكرًا لإنجازه ما وعد في تلك الكتب من نعتك، وإظهارك، وإنزال القرآن عليك. والأذقان: جمع ذقن، وهو: أسفل الوجه حيث اللحية. وخصها بالذكر لأنها أول ما تلقى في الأرض من وجه الساجد. والجملة: تعليل لما قبلها من قوله: { آمِنُوا به أو لا تؤمنوا } من عدم المبالاة. والمعنى: إن لم تؤمنوا فقد آمن منْ هو أعلى منكم وأحسن إيمانًا منكم. ويجوز أن يكون تعليلاً لقُل، على سبيل التسلية للرسول - عليه الصلاة والسلام -، كأنه يقول: تسلّ بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة، ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم. { ويقولون } في سجودهم: { سبحان ربِّنا } عن خلْف وعده { إِن كان وعْدُ ربنا لمفعولاً } أي: إن الأمر والشأن كان وعد ربنا مفعولاً لا محالة، { ويَخِرُّون للأذقانِ } كرره لاختلاف السبب، فإن الأول: لتعظيم الله وشكر إنجاز وعده. والثاني: لِمَا أثر فيهم من مواعظ القرآن، { يَبْكُونَ }: حال، أي: حال كونهم باكين من خشية الله، { ويزيدهم } القرآنُ { خشوعًا } ، كما يزيدهم علمًا بالله تعالى.

السابقالتالي
2 3