الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قلت: { وقد جعلتم }: حال، و { أنكاثًا }: حال من الغزل، وهو: جمع نِكْث - بالكسر - بمعنى منكوث، أي: منقوض. و { أن تكون }: مفعول من أجله، و { تتخذون }: جملة حالية من ضمير " تكونوا ". يقول الحقّ جلّ جلالة: { وأوفوا بعهد الله } كالبيعة للرسول - عليه الصلاة والسلام - وللأمراء، والأيمان، والنذور، وغيرها، { إذا عاهدتم } الله على شيء من ذلك، { ولا تَنقضوا الأيمان } أيمان البيعة، أو مطلق الأيمان، { بعد توكيدها } بعد توثيقها بذكر الله، أو صفته، أو أسمائه، { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } شاهدًا ورقيبًا، بتلك البيعة فإن الكفيل مراع لحال المكفول رقيب عليه، { إن الله يعلم ما تفعلون } في نقض الأيمان والعهود. وهو تهديد لمن ينقض العهد، وهذا في الأيمان التي في الوفاء بها خير، وأما ما كان تركه أولى فيُكَفِّرْ عن يمينه، وليفعل الذي هو خير، كما في الحديث. { ولا تكونوا كالتي نَقَضَتْ غزلها }: أفسدته { من بعد قوة } أي: إبرام وإحكام { أنكاثًا } أي: طاقات، أي: صيرته طاقات كما كان قبل الغزل، بحيث حلت إحكامه وإبرامه، حتى صار كما كان، والمراد: تشبيه الناقض بمَن هذا شأنه، وقيل: هي " ريطة بنت سعد القرشية " فإنها كانت خرقاء - أي: حمقاء - تغزل طول يومها ثم تنقضه، فكانت العرب تضرب به المثل لمن قال ولم يُوف، أو حلف ولم يَبر في يمينه. { تتخذون أيمانكم دخلا بينكم } أي: لا تكونوا متشبهين بامرأة خرقاء، متخذين أيمانكم مفسدة ودخلا بينكم. وأصل الدخل: ما يدخل الشيء، ولم يكن منه، يقال: فيه الدخل والدغل، وهو قصد الخديعة. تفعلون ذلك النقض لأجل { أن تكون أُمةٌ هي أربى من أمةٍ }: بأن تكون جماعة أزيد عدداً وأوفر مالاً، من جماعة أخرى، فتنقضون عهد الأولى لأجل الثانية لكثرتها. نزلت في العرب، كانت القبيلة منهم تحالف الأخرى، فإذا جاءها قبيلة أقوى منها، غدرت الأولى، وحالفت الثانية. وقيل: الإشارة بالأربى هنا إلى كفار قريش إذ كانوا حينئذ أكثر من المسلمين، فحذر من بايع على الإسلام أن ينقضه لما يرى من قوة كفار قريش. { إنما يبلوكم }: يختبركم { اللهُ به } بما أمر من الوفاء بالعهد لينظر المطيع منكم والعاصي. أو: بكون أمة هي أربى، لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله، أم تَغْتَرُّونَ بكثرة قريش وشوكتهم، وقلة المؤمنين وضعفهم؟ { وليُبَيننَّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون } في الدنيا حين يجازيكم على أعمالكم بالثواب والعقاب. { ولو شاء اللهُ لجعلكم أمةً واحدة } أهل دين واحد متفقين على الإسلام، { ولكن يُضل من يشاء } بعدله، { ويهدي من يشاء } بفضله، { ولتُسألنَّ يوم القيامة } سؤال تبكيت ومجازاة، { عما كنتم تعملون } في الدنيا لتُجازوا عليه.

السابقالتالي
2