الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { إنَّ الله يأمر بالعدل } أي: التوحيد، أو الإنصاف، أو فعل الفرائض، { والإحسانِ } ، وهو: فعل المندوبات. وذلك في حقوق الله تعالى، وفي حق عباده، أو العدل في الأحكام، كل واحد فيما ولي فيه " كلكم راع ". والإحسان إلى عباد الله بَرهم وفَاجرهم. قال ابن عطية: العدل: هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع، وسير مع الناس في أداء الأمانات، وترك الظلم، والإنصاف، وإعطاء الحق. والإحسان هو: فعل كل مندوب إليه. وقال البيضاوي: { إن الله يأمر بالعدل }: بالتوسط في الأمور اعتقادًا، كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك، والقول بالكسب، المتوسط بين محض الجبر والقدر، وعملاً، كالتعبد بأداء الواجبات، المتوسط بين البطالة والترهب، وخُلُقًا، كالجود المتوسط بين البخل والتبذير، والإحسان: إحسان الطاعات، وهو إما بحسب الكمية، كالتطوع بالنوافل، أو بحسب الكيفية، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " { وإيتاء ذي القربى }: وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه، وهو تخصيص بعد تعميم للمبالغة. { وينهى عن الفحشاء }: عن الإفراط في متابعة القوة الشهوية، كالزنى فإنه أقبح أحوال الإنسان وأشنعها، { والمنكر }: ما ينكر على متعاطيه في إيثاره القوة الغضبية، { والبغي }: الاستعلاء والاستيلاء على الناس، والتجبر عليهم، فإنها الشيطنة التي هي مقتضى القوة الوهمية، ولا يوجد من الإنسان شر إلا وهو مندرج في هذه الأقسام، صادر بتوسط إحدى هذه القوى الثلاث، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: " هي أجمع آية في القرآن للخير والشر ". وصارت سبب إسلام عثمان بن مظعون، فلو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنه تبيان لكل شيء، وهدى ورحمة للعالمين، ولعل إيرادها عقب قوله: { ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء } للتنبيه عليه. هـ. وفي القوت: هي قطب القرآن. هـ. وعن عثمان بن مظعون: أنه قال: لَمَّا نزلت هذه الآية قرأتُها على أبي طالب، فعجب، وقال: آلَ غالبٍ، اتبعوه تُفلحوا، فوالله إن الله أرسله ليأمر بمكارم الأخلاق. هـ. قال ابن عطية: { وإيتاء ذي القربى }: لفظ يقتضي صلة الرحم، ويعم جميع إسداء الخير إلى القرابة، وتركه مبهمًا أبلغ لأن كل من وصل في ذلك إلى غاية - وإن علت - يرى أنه مقصر، وهذا المعنى المأمور به في جانب ذي القربى داخل تحت العدل والإحسان، لكنه تعالى خصه بالذكر اهتمامًا به وحضًا عليه. هـ. { يَعِظُكُم } بما ذكر من التمييز بين الأمر والنهي، والخير والشر، { لعلكم تذكَّرون }: تتعظون فتنهضون إلى ما أمرتكم به وندبتكم إليه، وتنكفوا عما نهيتكم عنه وحذرتكم منه. الإشارة: { إن الله يأمر بالعدل } بالتوسط في الأمور كلها، كالتوسط في السير والمجاهدة فإن الإسراف يوقع في الملل، قال - عليه الصلاة والسلام-:

السابقالتالي
2