الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }

قلت: { تبيانًا }: حال من الكتاب، وهو مصدر، قال في القاموس: والتبيان: مصدر شاذ. وفي ابن عطية: والتبيان: اسم، لا مصدر. والمصادر في مثله مفتوحة، كالترداد والتكرار. هـ. وقال في الصحاح: لم يجيء على الكسر إلا هذا، والتِّلقاء. هـ. يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } اذكر { يومَ نبعثُ من كل أمة } من الأمم { شهيدًا } أي: رسولاً يشهد لها أو عليها، بالإيمان أو بالكفر، وهو يوم القيامة، { ثم لا يُؤْذَنُ للذين كفروا } في الاعتذار إذ لا عذر لهم. أو: في الرجوع إلى الدنيا. وعبَّر بثم لزيادة ما يحيق بهم من شدة المنع من الاعتذار، مع ما فيه من الإقناط الكلي. { ولا هم يُستعتَبون }: لا يطلب منهم العتبى، أي: الرجوع إلى ما يرضي الله. والمعنى: أنهم لا يؤذن لهم في الاعتذار عما فرطوا فيه مما يرضي الله، ولا يطلب منهم الرجوع إلى تحصيله. { وإذا رأى الذين ظلموا }: كفروا { العذاب }: جهنم { فلا يُخفف عنهم } العذابُ { ولا هم يُنظرون } يُمهلون عنه إذا رأوه. { وإذا رأى الذين أشركوا شركاءَهم }: أوثانهم التي دعوها شركاء الله، أو الشياطين الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه، { قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعُو من دونك } أي: نعبدهم ونطيعهم من دونك. وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك. { فأَلْقَوا إليهم القولَ } قالوا لهم: { إنكم لكاذبون } أي: أجابوا بالتكذيب في أنهم شركاء الله، أو أنهم عبدوهم حقيقة، وإنما عبدوا أهواءهم كقوله:كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } [مريَم: 82]، وقوله:مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [القَصَص: 63]، أو لأنهم، لما كانوا غير راضين بعبادتهم، فكأن عبادتهم لم تكن لهم. { وألْقَوا إلى الله يومئذ السَّلم } أي: الاستسلام، أي: استسلموا لحكمه { يومئذ } ، بعد أن تكبروا عنه في الدنيا، ولا ينفع يومئذ، { وضلّ عنهم } أي: غاب وضاع وبطل { ما كانوا يفترون } من أن آلهتهم تنصرهم وتشفع لهم. { الذين كفروا وصدُّوا } الناس { عن سبيل الله } بالمنع من الإسلام، والحمل على الكفر، { زدناهم عذابًا } بصدهم، { فوق العذابِ } المستحق بكفرهم. قال ابن مسعود: " عقارب، أنيابها كالنخل الطوال، تلسعهم ". وعن عبيد بن عمير: عقارب كالبغال الدُّلْم - أي: السود جدًا -، والأدلم: الشديد السواد. وذلك العذاب { بما كانوا يُفسدون } أي: بكونهم مفسدين بصدهم عما فيه صلاح العالم. { و } اذكر أيضًا: { يومَ نبعثُ في كل أمةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم } يعني: نبيهم فإنَّ نبي كل أمة بعث منها. { وجئنا بك } يا محمد { شهيدًا على هؤلاء } على أمتك، أو على هؤلاء الشهداء، { ونزَّلنا عليك الكتابَ }: القرآن { تبيانًا } بيانًا بليغًا { لكل شيءٍ } من أمور الدين على التفصيل، أو الإجمال بالإحالة على السنة أو القياس. { وهُدىً } من الضلالة، { ورحمة } بنور الهداية لجميع الخلق.

السابقالتالي
2