الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

قلت: { والأنعام }: منصوب بمحذوف، يفسره: { خَلَقَها } ، أو معطوف على " الإنسان " و { خلقها لكم }: بيان لما خُلقتُ لأجله، وما بعده تفصيل له. و { منها تأكلون }: إنما قدَّم المعمول للمحافظة على رؤوس الآي، أو: لأن الأكل منها هو المعتمد عليه في المعاش، وأما الأكل من غيرها من سائر الحيوانات المأكولات فعلى سبيل التداوي والتفكه. قاله البيضاوي. قلت: ولعله، عند مالك، للاختصاص، أي: منها تأكلون لا من غيرها إذ لا يؤكل عنده غيرها من البهائم الإنسية. وقوله: { لكم }: يحتمل أن يتعلق بما قبلها أو بما بعدها، ويختلف الوقف باختلاف ذلك. { إلا بشق }: فيه لغتان: الكسر والفتح، بمعنى التعب والكلفة، وقيل: المفتوح مصدر شَقَّ الأمرُ عليه، أي: صَعُبَ، والمكسور بمعنى: النصف، كأنه ذهب نصف قُوَّتِهِ بالتعب. { والخيل }: عطف على " الأنعام ". و { زينة }: مفعول من أجله، عطف على موضع " لتركبوها ": أي: للركوب والزينة، أو مفعول مطلق، أي: لتتزينوا بها زينة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { خلق السماوات والأرض }: أوجدهما { بالحق } أي: ملتبسًا بالحق لتدل على وحدانية الحق، وكمال قدرته وباهر حكمته، حيث أوجدهما على مقدار مخصوص، وشكل بديع، وأوضاع مختلفة، وهيئات متعددة. أو: خلقهما بقضائه وتدبيره الحق، لا بمشاركةِ وتدبيرِ أحد معه، ولا بمعاونة شريك ولا ظهير، ولذلك نزه نفسه بقوله: { تعالى عمّا يشركون } ، كما نزه نفسه، ابتداءً، لَمَّا نفَى الاستعجال لأنه من تدبير الخلق أيضًا والصدور عن رأيهم، وفي معناه: تنزيل الوحي على ما يشاء لا على ما يشاء غيره لانفراده أيضًا في ملكه. وفي إبرازه ذلك، على ما يخالف آراء الخلق، أدل دليل على وحدانيته في ملكه، وإنما وضع كل شيء ودبره دلالة على وحدانيته وهدايته لخلقه إليه. ثم شفع بخلق الإنسان فقال: { خلق الإنسان } أي: جنسه { من نُطفة }: من ماء مهين يخرج من مكان مهين، { فإذا هو خصيم مبين }: مجادل، كثير الجدل والخصام، مبين لحجته، أو: خصيم: مكافح لخالقه، قائل: { مَن يحيي العظام وهي رميم }. " رُوي أن أُبيّ بن خَلَف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بِعَظْمٍ رَمِيم، فقال: يا محمد، أترَى الله يُحيِي هذا بعد ما قد رمَّ؟ فقال: نعم " فنزلت. فعلى الأول: تكون الآية عامة لكل إنسان، وعلى الثاني: خاصة بالكافر. والأول أظهر. ولمَّا ذكر نعمة الإيجاد ذكر نعمة الإمداد، فقال: { والأنعامَ } وهي: الإبل والبقر والغنم، { خلقها }: أوجدها { لكم فيها دِفءٌ } ما يُدْفأُ به فيقي البرد، يعني: ما يتخذ من جلود الأنعام وأصوافها من الثياب، { و } لكم فيها أيضًا { منافعُ } أُخر كنسلها وظهورها. وإنما عبَّر بالمنافع ليتناول عِوضها. { ومنها تأكلون } أي: تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان.

السابقالتالي
2 3