الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قلت: { مسخرات }: حال من { الطير } ، و { سكنًا }: مصدر وُصف به، أي: شيئًا سكنًا، أو: فَعَلٌ بمعنى مفعول. و { أثاثًا }: مفعول بمحذوف، أي: وجعل من أوبارها أثاثًا. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ألم يروا } ، وفي قراءة: { ألم تروا } بتوجيه الخطاب لعامة الناس، { إلى الطير مسخراتٍ }: مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية، { في جو السماء } في الهواء المتباعد من الأرض. { ما يُمسكهنَّ } فيه { إلا اللهُ } فإن ثِقلَ جسدها يقتضي سقوطها، ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها، { إنَّ في } تسخيره { ذلك } لها { لآيات } لعبرًا ودلالة على قدرته تعالى إذ لا فاعل سواه فإنَّ إمساك الطيران في الهواء هو على خلاف طباعها، لولا أن القدرة تحملها، ففيه آيات { لقوم يؤمنون } لأنهم هم المنتفعون بها. { والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا }: موضعًا تسكنون فيه وقت إقامتكم، كالبيوت المتخذة من الحجر والمدَر. و " مِنْ " للبيان، أي: جعل لكم سكنًا، أي: موضعًا تسكنونه، وهو بيوتكم، { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا } ، هي القباب المتخذة من الأدم، ويجوز أن يتناول المتخذة من الوبَر والصوف والشعر، فإنها، من حيث إنها نابتة على جلودها، كأنها من جلودها، { تستخفونها } أي: تجدونها خفيفة، يخف عليكم حملها وثقلها { يوم ظعنكم } أي: سفركم، وفيه لغتان: الفتح والسكون، { ويوم إقامتكم }: حضوركم، أو نزولكم، { و } جعل { من أصوافها } أي: الغنم، { وأوبارها } أي: الإبل، { وأشعارها } أي: المعز، { أثاثًا }: متاعًا لبيوتكم كالبسُط والأكسية، { ومتاعًا } تمتعون به { إلى حينٍ } إلى مدة من الزمان، فإنها، لصلابتها، تبقى مدة مديدة، أو: إلى مماتكم، أو: إلى أن تقضوا منها أوطاركم، أو: إلى أن تبلى. { والله جعل لكم مما خلق } من الشجر والجبال والأبنية، وغيرها، { ظِلالاً } تتقون بها حر الشمس، { وجعل لكم من الجبال أكنانًا } جمع: كَن، ما تكنون، أي: تستترون به من الحر والبرد، كالكهوف والغيران والبيوت المجوفة فيها، { وجعل لكم سرابيل } جمع: سربال ثيابًا من الصوف والكتان والقطن وغيرها، { تقيكم الحرَّ } والبرد، وخص الحر بالذكر، اكتفاء بأحد الضدين، أو لأن وقاية الحر كانت أهم عندهم. { وسرابيل تقيكم بأسكم }: حربكم، كالطعن والضرب. وهي: الدروع، وتسمى: الجواشن، جمع جَوشن، وهو الدرع، { كذلك } كإتمام هذه النعم بخلق هذه الأشياء المتقدمة، { يُتم نعمتَه عليكم } في الدنيا بخلق ما تحتاجون إليه، { لعلكم } يا أهل مكة { تُسْلمون } أي: تنظرون في نعمه، فتؤمنون به، أو تنقادون لحكمه. وفي قراءة: بفتح التاء، أي: تسلمون من العذاب بالإيمان، أو تنظرون فيها، فتوحدون، وتَسلمون من الشرك، أو من الجراح بلبس الدروع. { فإِن تولوا }: أعرضوا، ولم يقبلوا منك، أو لم يُسلموا. { فإِنما عليك } يا محمد { البلاغُ المبين } أي: الإبلاغ البين، فلا يضرك إعْراضهم حيث بلَّغْتَهُمْ.

السابقالتالي
2