الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

قلت: الاستفهام للإنكار، و { من شيء }: بيان لـ " ما ". والضمير في { ظلاله } يعود على { ما } ، أو على { شيء }. و { سُجَّدًا }: حال من الظلال، وكذا جملة: { وهم داخرون } ، وجمعه بالواو لأنه من صفة العقلاء. وقال الزمخشري: هما حالان من الضمير في { ظلاله } إذ هو بمعنى الجمع لأنه يعود على قوله: { من شيء } ، فعلى الأول يكون السجود من صفة الظلال، وعلى الثاني يكون من صفة الأجرام. و { من دابة }: يحتمل أن يكون بيانًا لـ { ما في السماوات وما في الأرض } معًا لأن كل حيوان يصح أن يوصف بأنه يدب، ويحتمل أن يكون بيانًا لـ { ما في الأرض } خاصة، فعلى الأولى: يكون عطف الملائكة عليه، من عطف الخاص على العام تشريفًا لهم، وعلى الثاني: من عطف المباين. يقول الحقّ جلّ جلاله: { أوَلَمْ يرَوا } أي: أهل المكر والخدع بالرسل والمؤمنين، { إلى ما خلق الله من شيء } من الأجرام والأشكال كالجبال والأشجار والبحار ليظهر لهم كمال قدرته وقهره، فيخافوا سطوته وبطشه، حتى لا يمكروا بخواصه. حال كون ما خلق من الأجرام { يتفيّؤا } أي: يميل { ظلالُه عن اليمين والشمائل } أي: يرجع الظل من جانب إلى حانب، أي: يميل عن الأيمان والشمائل، وذلك أن الظل من وقت طلوع الشمس إلى الزوال يكون إلى جهة، ومن الزوال إلى الغروب يكون إلى جهة أخرى. ثم يمتد الظل ويعم بالليل إلى طلوع الشمس. والتفيؤ: من الفيء، وهو: الظل الذي يرجع بعكس ما كان غدوة. وقال رُؤبة بن العجاج: يقال بعد الزوال: ظل وفيءٌ، ولا يقال قبله إلا ظل. ففي لفظ " يتفيأ " ، هنا، تجوز. وقال في سلوة الأحزان: فاء الظل: معناه: رجع بعكس ما كان من بكرة إلى الزوال وذلك أن الشمس من وقت طلوعها إلى الزوال، إنما هي في نسخ الظل العام قبل طلوعها، فإذا زالت، ابتدأ رجوع الظل العام، ولا يزال ينمو حتى تغيب الشمس فيعم. والظل الممدود في الجنة لم يذكر الله تعالى فيها فيئًا لأنه لا مُذهِبَ له، ولا تكون الفيأة إلا بعد ذهاب الظل، ولا ذهاب لظل الجنة، فلا يتعقل له فيأة. هـ. واستعمال اليمين والشمال، في غير الإنسان، تجوز فإنهما في الحقيقة خاص بالإنسان. هـ. حال كون تلك الأجرام، أو الظلال { سُجَّدًا لله } ، قيل: حقيقة. قال الضحاك: إذا زالت الشمس سَجد كل شيء قبلَ القبلة، من نباتٍ أو شجر، ولذلك كان الصالحون يستحبون الصلاة في ذلك الوقت. وقال مجاهد: إنما تسجد الظلال، لا الأشخاص. وقيل: هو عبارة عن الخضوع والطاعة، وميلان الظلال ودورانها بالسجود، كما يقال للمشير برأسه نحو الأرض، على جهة الخضوع: ساجدًا، ثم استشهد لذلك.

السابقالتالي
2