الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } * { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { هل ينظرون } أي: ما ينظر هؤلاء الكفرة، الذين قالوا فيما أنزل الله من الوحي: هو أساطير الأولين، { إلا أن تأتيهُم الملائكةُ } لقبض أرواحهم، { أو يأتي أمرُ ربك }: قيام الساعة، أو العذاب المستأصِل لهم في الدنيا، { كذلك } أي: مثل ذلك التكذيب والشرك، { فعل الذين من قبلهم } ، فأصابهم ما أصابهم، { وما ظلمهم الله } بإهلاكهم، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } لكفرهم ومعاصيهم، المؤدية إلى عذابهم. { فأصابهم } جزاء { سيئات ما عملوا } من الكفر والمعاصي، وهو العذاب، { وحاقَ } أي: وأحاط { بهم ما كانوا به يستهزئون } أي: نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به. والحيْق لا يكون إلا في الشر. { وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرَّمنا من دونه من شيء } كالبحائر والسوائب والحوامي. قالوا ذلك على وجه المجادلة والمخاصمة، والاحتجاج على صحة فعلهم، أي: إنَّ فِعْلَنَا هو بمشيئة الله، فهو صواب، ولو شاء الله ألا نفعله ما فعلناه. والجواب: أن الاحتجاج بالقدر لا يصح في دار التكليف، وقد بعث الله الرسل بالنهي عن الشرك، وتحريم ما أحل الله، ونحن مكلفون باتباع الشريعة، لا بالنظر إلى فعل الحقيقة من غير شريعة فإنه زندقة فالشريعة رداء الحقيقة، فمن خرق رداء الشريعة، وتمسك بالحقيقة وحدها، فقد استحق العقاب، ولذلك قال تعالى: { كذلك فعل الذين من قَبلهم } فأشركوا بالله، وحرموا ما أحل الله، وردوا رسله. { فهل على الرسلِ إلا البلاغُ المبين } أي: الإبلاغ الموضح للحق فمن تمسك بما جاؤوا به فهو على صواب، ومن أعرض عنه فهو على ضلال، ولا ينفعه تمسكه بالحقيقة من غير اتباع الشريعة. والحقيقة هي أنه لا يقع في ملكه إلا ما يريد، طاعة كان أو معصية، كفرًا أو إيمانًا، لكن الأمر غير تابع للإرادة، ونحن مكلفون باتباع الأمر فقط. ثم بيَّن أن البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم الماضية، جعلها سببًا لهدى من أراد اهتداءه، وزيادة الضلال لمن أراد إضلاله، كالغذاء الصالح، فإنه ينفع المزاج السوي - أي: المعتدل - ويقويه، ويضر المزاج المنحرف ويعييه، فقال: { ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً } قائلاً: { أن اعبدُوا الله واجتنبوا الطاغوت } أي: يأمر بعبادة الله وحده واجتناب ما سواه، { فمنهم من هدى الله } وفقهم للإيمان وأرشدهم إليه، { ومنهم من حقتْ عليه الضلالةُ } فلم يوفقهم، ولم يُرد إرشادهم فليس كل من تمسك بشيء وأمْهل فيه يدل أنه على صواب، كما ظن المشركون، بل النظر إلى ما جاءت به الرسل من الشرائع، وكلها متفقة على وجوب التوحيد وإبطال الشرك. ثم أمرهم بالنظر والاعتبار بحال من أشرك وكذب الرسل، فقال: { فسيروا في الأرض } يا معشر قريش، { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } كعاد وثمود وغيرهم، لعلكم تعتبرون.

السابقالتالي
2