الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قلت: { خيراً }: منصوب بفعل محذوف، أي: أنزل خيرًا، فهو مطابق للسؤال لأن المؤمنين معترفون بالإنزال، بخلاف قوله: { أساطير الأولين } فهو مرفوع على الخبر لأنهم لا يُقرون بالإنزال، فلا يصح تقدير فعله. وإنما عدلوا بالجواب عن السؤال لإنكارهم له، وقالوا: هو أساطير الأولين ولم ينزله الله. و { للذين }: خبر، و { حسنة }: مبتدأ، والجملة: بدل من { خيرًا } ، أو تفسير الخير الذي قالوه، والظاهر أنه استئناف من كلام الحق. { جنات عدن }: يحتمل أن يكون هو المخصوص بالمدح، فيكون مبتدأ، وخبره فيما قبله، أو خبر ابتداء مضمر، أو مبتدأ، وخبره: { يدخلونها } ، أو محذوف، أي: لهم جنات عدن. و { طيبين }: حال من مفعول " توفاهم ". يقول الحقّ جلّ جلاله: { وقيل للذين اتقوا } الشرك، وهم المؤمنون: { ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا } ، أي: أنزل خيرًا، مقرين بالإنزال، غير مترددين فيه ولا متلعثمين عنه، على خلاف الكفرة لمَّا ذكر الحق تعالى مقالة الكفار الذين قالوا: أساطير الأولين، عادل ذلك بذكر مقالة المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لكل فريق ما يستحق من العقاب أو الثواب، رُوي أن العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الوفد، وسأل المقتسمين، من الكفار، قالوا له: أساطير الأولين، وإذا سال المؤمنين: ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: خيرًا. فنزلت الآية في شأن الفريقين. ثم ذكر جزاء المؤمنين فقال: { للذين أحسنوا في هذه الدنيا } بالإِيمان والطاعة، { حسنة } أي: حالة حسنة من النصر، والعز، والتمكين في البلاد، مع الهداية للمعرفة والاسترشاد. { ولَدارُ الآخرةِ خيرٌ } أي: ولثواب الآخرة خير مما قدَّم لهم في الدنيا لدوامه، وصفائه، وعظيم شأنه، وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله لا يَظْلِمُ المُؤْمِنَ حَسَنةً، يُثَابُ عَلَيها الرزْقَ فِي الدُّنيَا، ويُجَازَى بِهَا فِي الآخِرَة " { ولنعم دارُ المتقين } دار الآخرة، حذفت، لتقدم ذكرها، أو هي: { جناتُ عدنٍ يدخلونها } على الأبد، { تجري من تحتها الأنهارُ لهم فيها ما يشاؤونَ } من أنواع المشتهيات حسية ومعنوية، وفي تقديم الظرف في قوله: { فيها } تنبيه على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريد إلا في الجنة. قاله البيضاوي. { كذلك يَجزي اللهُ المتقين } الذين قالوا خيرًا وفعلوا خيرًا، وأحسنوا في دار الدنيا حتى ماتوا على الإحسان، كما قال: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين }: طاهرين من ظُلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم، وقيل: فرحين لبشارة الملائكة إياهم بالجنة، أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى الحضرة القدسية. قاله البيضاوي. وقال ابن عطية: { طيبين }: عبارة عن صلاح حالهم، واستعدادهم للموت. وهذا بخلاف ما قال في الكفرة:

السابقالتالي
2 3