الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } * { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ }

قلت: { وما يشعرون أيان يبعثون } ، الضمير الأول للأصنام، والثاني للكفار الذين عبدوهم، وقيل: للأصنام فيهما، وقيل: للكفار فيهما، و { لا جرم }: إما أن يكون بمعنى لا شك، أو لا بدّ، أو تكون " لا " نفيًا لِمَا تقدم. و " جَرَم ": فعل، بمعنى وجب، أو حق، و { أن الله }: فاعل بجَرَم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { أفمن يَخلُقُ } كل شيء، ويَقدر على كل شيء، { كمن لا يَخْلُق } شيئًا، ولا يقدر على شيء، بل هو أعجز من كل شيء؟ وهو إنكار على من أشرك مع الله غيره، بعد إقامة الدلائل المتكاثرة على كمال قدرته، وباهر حكمته، بذكر ما تقدم من أنواع المخلوقات وبدائع المصنوعات، وكان حق الكلام: أفمن لا يخلق كمن يخلق، لكنه عكس تنبيهًا على أنهم، بالإشراك بالله، جعلوه من جنس المخلوقات العجزة، شبيهًا بها. والمراد بمن لا يخلق، كل ما عُبد من دون الله، وغلب أولي العلم منهم، فعبَّر بمن، أو يريد الأصنام، وأجراها مجرى أولي العلم لأنهم سموها آلهة، ومن حق الإله أن يعلم، أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق. { أفلا تذكَّرون } فتعرفوا فساد ذلك فإنه لظهوره كالحاصل للعقل الذي يحضر عنده بأدنى تذكر والتفات. ولما ذكر أنواعًا من المخلوقات على وجه الاستدلال على وحدانيته - وفي ضمنها: تعداد النِعَم على خلقه - أعقبها بقوله: { وإن تعدوا نِعمةَ الله لا تُحصوها } أي: لا تطيقوا عدها، فضلاً أن تطيقوا القيام بشكرها. ثم أعقبها بقوله: { إنَّ الله لغفور رحيم } تنبيهًا على أن العبد في محل التقصير، لولا أن الله يغفر له تقصيره في أداء شكر نعمه، ويرحمه ببقائها مع تقصيره في شكرها. { والله يعلم ما تُسِرُّون وما تُعلنون } من عقائدكم وأعمالكم، وهو وعيد لمن كفر النعم وأشرك مع الله غيره، سرًا أو علانية، ثم قال تعالى: { والذين تدعون } أي: والأصنام الذين تعبدونهم { من دون الله لا يَخْلُقون شيئًا } لظهور عجزهم. لَمَّا نفى المشاركة بين من يخلق ومن لا يخلق، بيَّن أنها لا تخلق شيئًا ليتحقق نفي الألوهية عنها ضرورةً. ثم علل عجزها، وعدم استحقاقها للألوهية بقوله: { وهم يُخْلقون } أي: وهم مخلوقون مفتقرون في وجودهم إلى التخليق، والإله لا بدّ أن يكون واجب الوجود. وهم، أيضًا، { أمواتٌ غير أحياء } أي: لم تكن لهم حياة قط، ولا تكون، وذلك أغرق في موتها ممن تقدمت له حياة، ثم مات. والإله ينبغي أن يكون حيًا بالذات لا يعتريه الممات. { وما يشعرون أيّان يُبعثون } أي: لا يعلمون وقت بعثهم، أو بعثِ عَبَدَتِهِمْ، فكيف يكون لهم وقت يجازون فيه من عبدهم، والإله ينبغي أن يكون عالمًا بالغيوب، قادرًا على الجزاء لمن عبده؟ وفيه تنبيه على أن البعث من توابع التكليف.

السابقالتالي
2