الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { وإِنْ عاقبتم } من آذَاكُمْ { فعَاقِبوا بمثل ما عُوقبتم به } أي: إن صنع بكم صنيع سوء فافعلوا مثله، ولا تزيدوا عليه. والعقوبة، في الحقيقة، إنما هي في الثانية. وسميت الأولى عقوبة لمشاكلة اللفظ. وقال الجمهور: إن الآية نزلت في شأن حمزة بن عبد المطلب، لما بَقَر المشركون بطنه يوم أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لئن أظْفَرَنِي اللهُ بِهمْ لأُمَثِّلَنَّ بسِبْعِينَ منهم " فنزلت الآية، فكفّر النبيّ صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وترك ما أراد من المُثْلَةِ. ولا خلاف أن المثلة حرام، وقد وردت أحاديث بذلك. ومقتضى هذا: أن الآية مدنية. ويحتمل أن تكون الآية عامة، ويكون ذكرهم حمزة على وجه المثال. وتكون، على هذا، مكية كسائر السورة. واختلف العلماء فيمن ظلمه رجل في مال، ثم ائتمن عليه، هل يجوز خيانته، في القدر الذي ظلمه فيه؟ فأجاز ذلك قوم لظاهر الآية، ومنعه مالك لقوله صلى الله عليه وسلم: " أَدِّ الأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَك، ولا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " قاله ابن جزي. { ولئن صبرتم } ، ولم تعاقبوا من أساء إليكم، { لهو } أي: الصبر { خيرٌ للصابرين } فإن العقوبة مباحة، والصبر أفضل من الانتقام، ويحتمل أن يريد بالصابرين هنا العموم، أو يريد المخاطبين، كأنه قال: فهو خير لكم. ثم صرح بالأمر لرسوله به لأنه أولى الناس به لزيادة علمه بالله، فقال: { واصبر وما صبرك إِلا بالله } إلا بتوفيقه وتثبيته. رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " أما أنا فأصبر كما أمرت، فماذا تصنعون؟ " قالوا: نصبر كما ندبنا. { ولا تحزنْ عليهم } على الكافرين حيث لم يؤمنوا حِرْصًا عليهم. أو على المؤمنين لأجل ما فعل بهم. { ولا تَكُ في ضيق مما يمكرون } أي: لا يضيق صدرك بمكرهم، ولا تهتم بشأنهم، فأنا ناصرك عليهم. والضيق - بفتح الضاد مُخَفَّفًا - من ضَيِّقٍ كَمَيْتِ ومَيِّتٍ. وقرئ بالكسر، وهو مصدر. ويجوز أن يكون الضيق والضيق مصدريْن، معًا، لِضاق. { إِنَّ الله مع الذين اتقوا } الكفر والمعاصي، { والذين هم محسنون } في أعمالهم، فهو معهم بالولاية والنصر والرعاية والحفظ. أو مع الذين اتقوا الله بتعظيم أمره. والذين هم محسنون بالشفقة على خلقه. أو مع الذين اتقوا ما يقطعهم عن الله، والذين هم محسنون بشهود الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه " فهو معهم بالمحبة والوداد " فإذا أحببته كنت له ". والله تعلى أعلم. الإشارة: من شأن الصوفية: الأخذ بالعزائم، والتمسك بالأحسن في كل شيء، متمثلين لقوله تعالى:ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزُّمَر: 18]. ولذلك قالوا: الصوفي: دمه هدر، وماله مباح لأنه لا ينتصر لنفسه، بل يدفع بالتي هي أحسن السيئة.

السابقالتالي
2 3