الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } * { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }

قلت: { لكم منه شراب }: يحتمل أن يتعلق بأنزل، أو يكون في موضع خبر { شراب } ، أو صفة لماء و { مواخر }: جمع ماخرة، يقال: مخرت السفينة الماء مخرًا: شقّته، وقيل: المخر: صوت جَرْىِ الفلك في البحر من هبوب الريح. وقيل: معناه: تجيء وتذهب بريح واحدة. و { لتبتغوا }: عطف على " لتأكلوا " ، و { أن تميد }: مفعول من أجله، أي: كراهة أن تميد بكم. و { أنهارًا وسُبلاً }: مفعول بمحذوف، أي: وخلق أو وجعل أنهارًا، وقيل: معطوف على " رواسي " لأن ألقى، فيه معنى الجعل، و { علامات }: عطف على { أنهارًا وسبلاً } ، أو نصب على المصدر، أي: ألقى ذلك لعلكم تعتبرون، وعلامات دالة على وحدانيته. يقول الحقّ جلّ جلاله: { هو الذي أنزل من السماء } أي: السحاب، أو جانب السماء، { ماء }: مطراً { لكم منه شراب } تشربونه بلا واسطة، أو بواسطة العيون والأنهار والآبار لأنه يُحبس فيها، ثم يشرب منها، لقوله:فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الأَرْضِ } [الزُّمَر: 21]، وقوله:فَأَسْكَنَّاهُ فِى الأَرْضِ } [المؤمنون: 18]، { ومنه شجرٌ } أي: ومنه يكون شجر، يعني: الشجر الذي ترعاه المواشي، وقيل: كل ما نبت على الأرض فهو شجر، { فيه تُسِيمُون }: ترعون مواشيكم، من أسام الماشية: رعاها، وأصلها: السومة، التي هي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات. { يُنبتُ لكم به الرزعَ } وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم، { والزيتونَ والنخيلَ والأعناب ومن كل الثمرات } أي: ومن بعض كل الثمرات إِذْ لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار. قال البيضاوي: ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاءً حيوانيًّا هو أشرف الأغذية - يعني اللحم -، ومن هذا: تقديم الزرع، والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها. هـ. { إن في ذلك لآية لقوم يتفكّرون } ، فيستدلون على وجود الصانع وباهر قدرته، فإن من تأمل الحبة تقع في الأرض يابسة، ويصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أعلاها، ويخرج منه ساق الشجر، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها، ثم ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار، والأكمام والثمار، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطبائع، مع اتحاد المواد، عَلِمَ أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار، مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد، ولعل وصل الآية به لذلك. قاله البيضاوي باختصار. { وسخَّر لكم الليلَ والنهارَ والشمس والقمرَ والنجومَ } بأن هيأها لمنافعكم، { مسخراتٍ بأمره } ، أي: مذللات لما يريد منها، وهو حال من الجميع، أي: نفعكم بها حال كونها مسخرات لله، منقادة لحكمه، أو لما خلقن له، { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } أي: لأهل العقول السليمة الصافية من ظلمة الغفلة والشهوات، وإنما جمع هنا، دون ما قبله وما بعده لأن الأولى راجعة إلى إنزال المطر، وهو متحد، والثالثة راجعة إلى ما ذرأ في الأرض، وهو متحد في الجنس والهيئة، بخلاف العوالم العلوية، فإنها مختلفة في الجنس والهيئة.

السابقالتالي
2 3