الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ }

قلت: { من كفر }: شرطية مبتدأ، وكذلك { من شرح }. و { فعليهم غضب }: جواب عن الأولى والثانية لأنهما بمعنى واحد، ويكون جوابًا للثانية، وجواب الأولى: محذوف يدل عليه جواب الثانية. وقيل: { من كفر }: بدل من { الذين لا يؤمنون } ، أو من المبتدأ في قوله: { أولئك هم الكاذبون } ، أو من الخبر. و { إلا من أكره }: استئناف من قوله: { من كفر }. يقول الحقّ جلّ جلاله: { إِنَّ الذين لا يؤمنون } لا يُصدِّقون { بآيات الله } ، ويقولون: هي من عند غيره، { لا يهديهم الله } إلى سبيل النجاة، أو إلى اتباع الحق، أو إلى الجنة. { ولهم عذاب أليم } في الآخرة. وهذا في قوم عَلِمَ أَنهم لا يؤمنون، كقوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [يونس: 96]. وقال ابن عطية: في الآية تقديم وتأخير، والمعنى: إن الذين لا يهديهم الله لا يؤمنون بالله. ولكنه قدَّم وأخر تهممًا بتقبيح أفعالهم. هـ. قال البيضاوي: هددهم على كفرهم، بعد ما أماط شبهتهم، ورد طعنهم فيه، ثم قلب الأمر عليهم، فقال: { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } لأنهم لا يخافون عذابًا يردعهم عنه، { وأولئك هم الكاذبون } على الحقيقة، أو الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله، والطعن فيها، بهذه الخرافات أعظم الكذب. وأولئك الذين عادتهم الكذب لا يصرفهم عنه دين ولا مروءة. أو الكاذبون في قولهم: { إنما أنت مفتر } ، { إِنما يعلمه بشر }. هـ. والكلام كله مع كفار قريش. ثم ذكر حكم مَن ارتد عن الإيمان طوعًا أو كرهًا، فقال: { من كفر بالله من بعد إِيمانه } فعليهم غضب من الله، { إِلا مَن أُكْرِه } على التلفظ بالكفر، أو على الافتراء على الله، { وقلبُه مطمئن بالإِيمان } لم تتغير عقيدته، { ولكن من شرح بالكفر صدرًا } أي: فتحه ووسعه، فاعتقده، وطابت به نفسه، { فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذاب عظيم } إذ لا أعظم من جرمه. رُوِيَ أن قريشًا أكرهوا عمّارًا وأبويه - وهما ياسر وسمية - على الارتداد، فربطوا سمية بين بعيرين، وطعنوها بحربة في قلبها، وقالوا: إنك أسلمت من أجل الرجال، فماتت - رحمة الله عليها - وقتلوا ياسرًا زوجها، وهما أول قتيلين في الإسلام. وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مُكرهًا، فقيل: يا رسول الله إن عمارًا كفر، فقال: " كَلا، إن عَمَّارًا مُلئ إيمَانًا من قَرْنِهِ إلى قَدَمِهِ، واخْتَلَطَ الإِيمَانُ بلَحْمِهِ ودَمِهِ " فَأَتَى عمَّار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْكي، فَجَعَلَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَيْنَيْه، ويقول: " مَا لك، إِنْ عَادُوا لَك فَعُدْ لَهُمْ بِما قُلْتَ ". وهو دليل على جواز التكلم بالكفر عند الإكراه. وإن كان الأفضل أن يجتنب عنه، إعزازًا للدين، كما فعل أبواه.

السابقالتالي
2 3