الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } * { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } * { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ }

قلت: إلا من اتبعك: يحتمل ان يكون منقطعاً، ويريد بالعباد: الخصوص من أهل الإيمان والإخلاص، أي إن عبادي المخلَصين لا تسلط لك عليهم، لكن من اتبعك من الغاوين فهو من حزبك. ويحتمل الاتصال، ويريد بالعباد جيمع الناس، أي: إن عبادي كلهم ليس لك عليهم سلطان، إلا من اتبعك من أهل الغواية. فإنك تتسلط عليه بالوسوسة والتزيين والتحريض فقط، فيتبعك لقوله يوم القيامةوَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } [إبراهيم: 22]. وعلى الاتصال يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى، وإلا تناقض مع قوله: { لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين }. قال أبو المعالي: كون المستثنى أكثر من المستثنى منه ليس معروفاً في كلام العرب. انظر ابن عطية والبيضاوي. و { منهم }: حال من جزء مقدم، أي: لكل باب جزء حاصلٌ منهم مقسوم، أو من المستكن في الظرف لا من مقسوم، لأن الصفة لا تعمل فيما تقدم موصوفها. و { إخواناً }: حال من الضمير المضاف إليه لأنه جزء ما أضيف إليه، والعامل فيه: الاستقرار، أو معنى الإضافة، وكذا: { على سُرُر متقابلين } ، ويجوز أن يكون صفتين لإخوان، أو حالين من ضميره. يقول الحق جل جلاله: { إنَّ عبادي } المتحققين بالعبودية لي، المخلصين في أعمالهم، { ليس لك } يا إبليس { عليهم سلطانٌ } أي: غلبة وتسلط بالغواية والإضلال، { إلا من اتبعك من الغاوين } الذين سبقت لهم الغواية، وتنكبتهم العناية. { وإنَّ جهنم لموعدهم }: لموضع إبعاد الغاوين أو المتبعين لك { أجمعين } ، { لها سبعة أبواب } يدخلون فيها لكثرتهم، أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة، وفي كل طبقة باب يسلك منه إليها، فأعلاها: جهنم، وهي للمذنبين من الموحدين، ثم لظى لليهود، ثم الحُطمة للنصارى، ثم السعير للصابئين، ثم سقر للمجوس، ثم الجحيم للمشركين، وكبيرهم أبو جهل، ثم الهاوية، وهي الدرك الأسفل، للمنافقين، وعبَّر في الآية عن النار جملة، بجهنم إذ هي أشهر منازلها وأولها، وهو موضع العصاة الذين لا يخلدون، ولهذا رُوي أن جهنم تخرب وتبلى، يعني: حين يخرج العصاة منها. وقيل: أبواب الطبقات السبع كلها من جهنم، ثم ينزل من كل باب إلى طبقته التي تفضى إليه. قاله ابن عطية. قال البيضاوي: ولعل تخصيص العدد بالسبعة، لانحصار مجامع المهلكات في الركون إلى المحسوسات، ومتابعة القوة الشهوية والغضبية. هـ. فالقوة الشهوية محلها ست وهي: السمع والبصر والشم واللسان والبطن والفرج. والقوة الغضبية في البطش باليد والرجل، فالمعاصي المهلكات جلها من هذه السبع، ومَلِكها القلب، إذا صلح صلحت، وإذا فسد فسدت. كما في الحديث ثم قال البيضاوي: أو لأن أهلها فرق سبع هـ يعني الفرق التي تقدمت للطبقات، قال تعالى: { لكل بابٍ منهم } أي: من الأتباع { جُزْءٌ مَقْسومٌ } أفرد له، لا يدخل إلا منه، ولا يسكن إلا في طبقته.

السابقالتالي
2 3