الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } * { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } * { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } * { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } * { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ }

قلت: وإذْ قال: ظرف لاذكر، وقوله: { فَقَعُوا }: امرٌ، من وقَع، يقع، قَعْ، فهو مما حُذفت فاؤه. وقوله: فسجد معطوف على محذوف، أي: فخلقه، وأمر الملائكة فسجدوا. يقول الحق جل جلاله: { و } اذكر يا محمد { إذْ قال ربك للملائكة } ، قبل خلق آدم: { إني خالق بشراً من صَلْصَالٍ من حمأٍ مسنونٍ } ، وصفه لهم بذلك ليظهر صدق من يمتثل أمره، قال تعالى: { فإذا سويتُه }: عدلت خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيها، { ونفختُ فيه من روحي } حين جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي، وأصل النفخ: إجراء الروح في تجويف جسد آخر. ولما كان الروح يتعلق أولاً بالبخار اللطيف المنبعث من القلب، وتفيض عليه القوة الحيوانية فيسري في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن، جعل تعلقه بالبدن نفخاً. قاله البيضاوي. وأضاف الروح إلى نفسه إضافة ملك إلى مالك، اي: من الروح الذي هو لي، وخلق من خلقي. فإذا نفخت فيه { فَقَعوا }: فأسقطوا { له ساجدين فسجد الملائكةُ } حين أكمل خلقته، وأمرهم بالسجود، وقيل: اكتفى بالأمر الأول، { كلُّهم أجمعون } ، أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص، { إلا إبليس أبى }: امتنع { أن يكون مع الساجدين } ، قال البيضاوي: إن جُعِل الاستثناء منقطعاً اتصل به قوله: { أبَى } أي: لكن إبليس أبَى أن يسجد، وإن جُعِل متصلاً كان قوله: { أبَى }: استئنافاً، على أنه جواب سائل قال: هلا سجد؟ فقال: أبى.. الخ. قلت: والأحسن: أن يقدر السؤال بعد قوله: { إلا إبليس أبى } أي: وما شأنه؟ فقال: أبى أن يكون مع الساجدين. قال تعالى: { يا إبليس ما لكَ } أي شيء عرض لك، { ألا تكونَ مع الساجدين } لآدم؟ { قال لم أكن لأسجُدَ } أي: لا يصح مني، بل ينافي حالي أن أسجد { لبشرٍ } جسماني كثيف، وأنا روحاني لطيف، وقد { خلقتَه من صلصالٍ من حمإ مسنونٍ } ، وهو أخس العناصر، وخلقتني من نار وهي أشرفها. استنقص آدم من جهة الأصل، وغفل عن الكمالات التي خصه الله بها، منها: أنه خلقه بيديه بلا واسطة، أي: بيد القدرة والحكمة، بخلاف غيره، ومنها: أنه خصه بالعلوم التي لم توجد عند غيره من الملائكة، ومنها: أنه نفخ فيه من روحه المضافة إلى نفسه، ومنها: أنه جعله خليفة في أرضه... إلى غيره ذلك من الخواص التي تشرف بها فاستحق السجود. قال له تعالى لَمَّا امتنع واستكبر: { فاخرجْ منها } أي: من السماء، أو من الجنة، أو من زمرة الملائكة، { فإنك رجيمٌ }: مطرود من الخير والكرامة فإنَّ من يُطرد يُرجم بالحجر، أو شيطان يُرجم بالشهب، فهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته، أي: ليس الشرف بالأصل، إنما الشرف بالطاعة والقرب. { وإن عليك اللعنةَ }: الطرد والإبعاد { إلى يوم الدين } يوم الجزاء، ثم يتصل باللعن الدائم.

السابقالتالي
2 3