الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } * { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { ولقد جعلنا في السماء بروجاً } اثني عشر برجاً، وهي: الحَمَل، والثور، والجَوْزاء، والسرطان، والأسد والسُّنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجَدْي، والدلو، والحوت، والبرج عبارة عن قطعة في الفلك تقطعها الشمس في شهر فتقطع البروج كلها في سنة، ستة يمانية، وستة شمالية، وهي مختلفة الهيئات والخواص، على ما دل عليه الرصد والتجربة. وكل ذلك بقدرة المدبر الحكيم. قال تعالى: { وزيَّناها } بالأشكال والهيئات البهية { للناظرين } المعتبرين ليستدلوا بها على قدرة مبدعها، وتوحيد صانعها. { وحفظها من كل شيطانٍ رجيمٍ }: مرجوم، فلا يقدر أن يصعد إليها ليسترق السمع منها، أو يوسوس أهلها، أو يتصرف في أمرها، أو يطلع على أحوالها. { إلا من استَرَق السمعَ } أي: حفظناها من الشياطين، إلا من استرق منها. والاستراق: الاختلاس، رُوي أنهم يركبون بعضهم بعضاً حتى يصلوا إلى السماء، فيسمعون أخبار السماء من الغيب، فيخطف الجن الكلمة قبل الرمي فيلقيها إلى الكهنة، ويخلط معها مائة كذبة، كما في الصحيح. رُوي عن ابن عباس: أنهم كانوا لا يحجبون عن السماوات، فلما ولد عيسى عليه السلام مُنعوا من ثلاث سماوات، فلما وُلد محمد صلى الله عليه وسلم مُنعوا من كلها بالشهب. وقيل: الاستثناء منقطع، أي: ولكن من استرق السمع، { فأتبعه } لحقه { شهابٌ مبين } ظاهر للمبصرين. والشهاب: شُعلة نار يقتبسها الملك من النجم، ثم يضرب به المسترق، وقيل: النجوم هي التي تضرب بنفسها، فإذا أصابت الشيطان فتلته أو خبلته فيصير غولاً. ثم ذكر معجزة الأرض فقال: { والأرضَ مددناها }: بسطناها، { وألقينا فيها رواسيَ } جبالاً ثوابت، { وأنبتنا فيها } في الأرض، أو فيها أو في الجبال { من كل شيء موزونٍ } مقدر بمقدار معين تقتضيه حكمته. فالوزن مجاز، أو ما يكون يوزن حقيقة كالعشب النافعة، أو كالذهب والفضة وسائر الأطعمة. { وجعلنا لكم فيها معايش } تعيشون بها من المطاعم والملابس، { و } خلقنا لكم { من لستم له برازقين } من الولدان والخدمة والمماليك، وسائر ما تظنون أنكم ترزقونهم كاذباً فإن الله يرزقكم وإياهم. قال البيضاوي: وفذلكة الآية: الاستدلال بجعل الأرض ممدودة بمقدار معين، مختلفة الأجزاء في الوضع، محدثة فيها أنواع النباتات والحيوانات المختلفة خلقة وطبيعة، مع جواز ألا تكون كذلك على كمال قدرته، وتناهي حكمته، والتفرد في ألوهيته، والامتنان على العباد بما أنعم في ذلك ليوحدوه ويعبدوه. ثم بالغ في ذلك فقال: { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } أي: وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه، فضرب الخزائن مثلاً لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يجوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد. هـ. قال ابن جزي: { وإن من شيء إلا عندنا خزائنُه } قيل: المطر، واللفظ أعم من ذلك، والخزائن: المواضع الخازنة، وظاهر هذا أن الأشياء موجودة قد خلقت.

السابقالتالي
2 3 4