الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }

قلت: شك: فاعل بالمجرور، وفاطر: نعت له. يقول الحق جل جلاله: حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام في تذكير قومه، أو من كلامه تذكيراً لهذه الأمة { ألم يأتكم نبأ الذين مِن قبلكم }: ما جرى عليهم حين عصوا أنبياءهم { قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم } كقوم شعيب، وأمم كثيرة { لا يعلمهم إلا اللهُ } لكثرة عددهم، واندراس آثارهم. ولذلك قال ابن مسعود: كذب النسَّابُون. { جاءتهم رسلهم بالبيناتِ } بالمعجزات الواضحات، { فرَدُّوا أيديَهُمْ في أفواههم } ليعضوا عليها غيظاً مما جاءت به الرسل كقولهعَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } { آل عمران: 119 }. أو: وضعوها عليها تعجباً منهم، أو: استهزاءً بهم، كمن غلب عليه الضحك. أو إسكاتاً للأنبياء، وأمراً لهم بإطباق الأفواه، أو: ردوها في أفواه الأنبياء، يمنعونهم من التكلم، أو: ردوا أيديهم، أي: نِعَم الأنبياء عليهم، وهي: مواعظهم والشرائع التي أتوهم بها من عند الله، ردوها في أفواه الأنبياء حيث كذبوها، ولم يعملوا بها، كما تقول لمن لم يمتثل أمرك: ترك كلامي في فمي وذهب. { وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتُمْ به } على زعمكم، { وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه } من التوحيد والإيمان، { مُريب }: مُوقع في الريبة، أو: ذي ريبة، وهو: قلق النفس بحيث لا تطمئن إلى شيء. فإجابهم الرسل عن دعواهم الشك في الربوبية، { قالت رُسُلُهم أفي الله شكٌّ }: أفي وجوده شك، أو في ألوهيته، أو في وحدانيته شك؟ قال البيضاوي: أُدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه، لا في الشك، أي: إنما ندعوكم إلى الله، وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة، وظهور دلالتها عليه. هـ. وأشار إلى ذلك بقوله: { فاطر السماواتِ والأرض } أي: خالقهما ومبدعهما على هذا الشكل الغريب، والإتقان العجيب إذ لا يصدر إلا من إله عظيم القدرة، باهر الحكمة، واحد في ملكهلَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22]، وهو { يدعوكم } إلى الإيمان والتوحيد ببعثه إيانا، والتصديق بنا، { ليغفر لكم من ذُنُوبكم } إن آمنتم، أي: يغفر لكم بعض ذنوبكم، وهو ما تقدم قبل الإسلام، ويبقى ما يُذنب بعده في المشيئة، أو: ما بينكم وبينه دون المظالم. والجمهور: أنه يغفر للكافر ما سلف مطلقاً، وقيل: " من ": زائدة، على غير مذهب سيبويه. قال البيضاوي: وجيء بمن، في خطاب الكفرة، دون المؤمنين في جميع القرآن، تفرقةً بين الخطابين، ولعل المعنى فيه أن المغفرة، حيث جاءت في خطاب الكفار، مرتبة على الإيمان، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة، والتجنب عن المعاصي، ونحو ذلك، فيتناول الخروج عن المظالم. هـ. { ويُؤخّرَكُم إلى أجلٍ مسمّى }: إلى وقت سماه الله، وجعله آخر أعماركم.

السابقالتالي
2