الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } * { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ }

قلت: أنْ أخرج: إما تفسيرية لا محل لها، أي: وقلنا: أن أخرج لأن في الإرسال معنى القول، أو على إسقاط الخافض، أي: بأن أخرج، فإنَّ صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر، فيصح أن توصل بها " إن " الناصبة. يقول الحق جل جلاله: { ولقد ارسلنا موسى بأياتنا } كاليد والعصا، وسائر معجزاته التسع، وقلنا له: { أن أخرج قومَك } بني إسرائيل، وفرعون وملأه { من الظلمات إلى النور } من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، أما فرعون وملؤه فظاهر، وأما بنو أسرائيل فقد كان فرعون فَتَنَ جُلّهم، وأضلهم مع القبط، فكانوا أشياعاً متفرقين، لم يبق لهم دين. فإن قلتَ: إذا كان موسى عليه السلام مبعوثاً إلى القبط، فِلمَ لَمْ يرجع إليهم بعد خروجه عنهم إلى الشام؟ فالجواب: أنه لما بلَّغهم الرسالة قامت الحجة عليهم، فيجب عليهم أن يهاجروا إليه للدين. ثم أمره بالتذكير فقال: { وذكِّرْهُم بأيامِ الله }: بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة قبلهم، وأيام العرب: حروبها. أو ذكِّرهم بِنَعم الله وآلائه، وبنقمه وبلائه فالأيام تطلق على المعنيّين. { إنَّ في ذلك لآياتٍ لكل صبارٍ } في بلائه، { شكور } لنعمائه، وإنما خصه لأنه إذا سمع ما نزل على من قبله من البلاء، وأُفِيض عليهم من النعماء، اعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر. وقيل: المراد لكل مؤمن، وإنما عبَّر بذلك تنبيهاً على أن الصبر والشكر عنوان الإيمان. قاله البيضاوي. { وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمةَ الله عليكم إذ أنجاكم }: حين أنجاكم { من آلِ فرعونَ }: رهطه، { يسومونكم }: يُولونكم { سُوء العذابِ }: أقبحه يستعبدونكم ويُكلفونكم مشاق الأعمال، { ويُذبِّحُون أبناءكم ويستحْيون نساءكم } ، قال البيضاوي: المراد بالعذاب هنا غير المراد به في سورتَيْ البقرة والأعراف لأنه هناك مفسر بالتذبيح والقتل، ومعطوف عليه هنا، فهو هنا إما جنس العذاب، أو استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشاقة. هـ. { وفي ذلكم } الامتحان { بلاء } أي: ابتلاء { من ربكم عظيم } اختبركم به حتى أنقذكم منه، ليعظم شكركم، أو: في ذلك الإنجاء بلاء، أي: نعمة واختبار عظيم، لينظر كيف تعملون في شكر هذه النعمة. ولذلك قال لهم موسى عليه السلام: { وإذْ تأذَّنَ ربكُمْ } أي: آذن، بمعنى أعلمَ، كتوعَّد وأوعد، غير أنَّ تأذن أبلغ من آذن لما في تفعّل من التكلف والمبالغة، أي أعلمكم، وقال: والله { لئن شكرتم } يا بني إسرائيل ما أنعمتُ به عليكم من الإنجاء وغيره، بالإيمان والعمل الصالح، وبالإقرار باللسان، وإفراد النعمة للمنعم بالجَنَان، { لأَزيدَنَّكُمْ } نعمة على نعمة. وهذ الخطاب، وإن كان لبني إسرائيل، يعم جميع الخلق، والزيادة إما من خير الدنيا، أو ثواب الآخرة. وشكر الخواص يكون على السراء والضراء فتكون الزيادة في الضراء، إما في ثواب أو في التقريب.

السابقالتالي
2