الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } * { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } * { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } * { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قلت: وإن كان مكرُهم " إن " نافية، واللام للجحود، ومن قرأ " لّتزول " بفتح اللام، فإن مخففة، واللام فارقة و يوم تُبدل: بدل من يوم يأتيهم، أو ظرف للانتقام، أو مقدر باذكر، أو بمخلف وعده. ولا يجوز ان ينتصب بمخلف لأن ما قبل " إن " لا يعمل فيما بعدها. والسماوات: عطف على الأرض، أي: وتبدل السماوات. يقول الحق جل جلاله: { وقد مكروا } بك يا محمد { مكرَهُم } الكلي، واستفرغوا جهدهم في إبطال الحق وتقرير الباطل، { وعند الله مكرُهُم } اي: مكتوب عنده فعلهم، فيجازيهم عليه. أو عند الله ما يمكرهم به جزاء لمكرهم، وإبطالاً له، { وإن كان مكرُهُم } في العظم والشدة، { لِتزولَ منه الجبال } الثوابت لو زالت تقديراً، أو ما كان مكرهم لِتزولَ منه الجبال، أي: الشرائع والنبوات الثابتة كالجبال الرواسي. والمعنى على هذا تحقير مكرهم لأنه لا تزول منه تلك الجبال الثابتة الراسخة، أو: وإن مكرهم لَتزولُ منه الجبال من شدته، ولكن الله عصم ووقى. وقيل: الآية متصلة بما قبلها، أي وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، ومكروا مكرهم في إبطال الحق. { فلا تحسبن اللهَ مخلفَ وعدِهِ رسلَه } ، يعني: وعد النصر على الأعداء، وقدَّم المفعول الثاني، والأصل: مخلف رسله وعده، فقدَّم الوعد ليُعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً على الإطلاق، ثم قال: { رسله } ليعلم أنه لم يخلف وعد أحد من الناس، فكيف يخلف وعد رسله وخيرة خلقه؟! فقدَّم الوعد أولاً بقصد الإطلاق، ثم ذكر الرسل لقصد التخصيص. { إن الله عزيز }: غالب لا يماكر، قادر لا يدافع، { ذو انتقام } لأوليائه من أعدائه. يظهر ذلك { يوم تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرضِ } ، أ اذكر { يوم تبدل الأرض غير الأرض } ، فتبدل أرض الدنيا يوم القيامة بأرض بيضاء عفراء، كقُرْصَة النقِيّ، كما في الصحيح. { و } تبدل { السماوات } بأن تنشق وتُطوى كطي السجل للكتب، ويبقى العرش بارزاً، وهو سماوات الجنة. قال البيضاوي: والتبديل يكون في الذات، كقوله: بدلت الدراهم بالدنانير، وعليه قوله: { بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [النساء: 56]، وفي الصفة، كقولك: بدلت الحلقة خاتماً، إذا أذبتها وغيرت شكلها. وعليه قولهيُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [الفرقان: 70]. والآية تحتملها، فعن علي رضي الله عنه: تبدل أرضاً من فضة وسماوات من ذهب، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: هي تلك الأرض، وإنما تغير صفاتها، ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِِ فَتبْسَط، وتُمَدّ مد الأديم العكَاظيّ، " لا ترى فيها عِوجاً ولا أمتا ". قال ابن عطية: وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عَفراءَ لم يُعْصَ اللهُ فيها، ولا سُفِكَ فيها دم، وليس فيها مَعْلم لأحد.

السابقالتالي
2 3 4