الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

يقول الحق جل جلاله: { وما أرسلنا من رسولٍ } قبلك { إلا بلسانِ قومه } ، وأنت بعثناك بلسان قومك. وإنما قال: بلسان قومه، ولم يقل بلسان أمته لأن الأمة قد تكون أوسع من قومه، كما في الحق نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد بُعث إلى العرب والعجم والجن والإنس، فقومه الذين يفهمون عنه: يُتَرْجُمِونَ إلى من لا يفهم، فتقوم الحجة عليهم. وكذلك إعجاز القرآن يُدركه أهل الفصاحة والبلاغة، فإذا وقع العجز عن معارضته منهم قامت الحجة على غيرهم، كما قامت الحجة في معجزة موسى عليه السلام بعجز السحرة، وفي معجزة عيسى بعجز الأطباء. ثم بيَّن الحكمة، في كون الداعي لا يكون إلا بلسان قومه، بقوله: { ليُبيّن لهم } ما أُمروا به فيفهمونه عنه بسرعة، ثم ينقلونه ويترجمونه لغيرهم، فتقوم الحجة عليهم ولذلك أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته أولاً فإذا فهموا عنه بلّغوا إلى غيرهم. قال البيضاوي: ولو نزل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الإعجاز، لكن ادى إلى اختلاف الكلمة وإضاعة فضل الاجتهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها، والعلوم المتشبعة منها، وما في إتعاب القرائح وكد النفس من القرب المقتضية لجزيل الثواب. هـ. فالرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ إنما عليهم البيان بلسانهم، والهداية بيد ربهم، ولذلك قال تعالى: { فيُضِلُّ اللهُ من يشاءُ } إضلاله، فيخذله عن الإيمان، { ويهدي من يشاء } بالتوفيق له، { وهو العزيزُ } الغالب على أمره، فلا يُغلَب على مشيئته، { الحكيم } في صنعه، فلا يضل ولا يهدي إلا لحكمة أرادها. والله تعالى أعلم. الإشارة: ما بعث الله وليّاً داعياً إلا بلسان قومه، وقد يخرق له العادة، فيطلعه على جميع اللغات، كما قال المرسي رضي الله عنه: من بلغ هذا المقام لا يخفى عليه شيء. وذلك من باب الكرامة كما كان صلى الله عليه وسلم يخاطب كل قوم بلغتهم معجزة له صلى الله عليه وسلم فقد اتسع علمه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأحاط بحقائق الأشياء وأسمائها ومفهوماتها، وأصول اللغة، وفروعها، فعلم ما علمه سيدنا آدم عليه السلام، أو أكثر، وإلى ذلك أشار القطب ابن مشيش في تصليته المشهورة، وبقوله: " وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق ". وقال البوصيري في همزيته:
لَكَ ذَاتُ العُلوم مِنْ عالِم الغِيـْ ــبِ ومنْهَا لآدمَ الأَسْمَاءُ