الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

قلت: واستفتحوا: معطوف على أوحى إن كان الضمير للرسل، واستئناف إن كان للكفار. ويسْقى: معطوف على محذوف، أي: يلقى فيها ويسْقى، وصديد: عطف بيان لماء، ويتجرعه: صفة لماء، أو حال من ضمير يسقى. يقول الحق جل جلاله: { وقال الذين كفروا لِرُسُلهم } تخويفاً لهم: والله { لنُخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودُنَّ في ملَّتنا } ، حلفوا ليكونن أحد الأمرين إما إخراج الرسل من ديارهم، أو عودهم إلى ملتهم، والعود هنا بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم، كما تقدم في قصة شعيب عليه السلام. ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول، ولمن آمن معه، فغلّب الجماعة على الواحد، وقال الذين كفروا في كل عصر لكل رسول أتاهم: لنخرجنك، أو لتعودَن في ملتنا. { فأوحى إليهم ربُّهم } أي: إلى رسلهم، مجتمعين أو متفرقين ـ على القولين ـ وقال في إيحائه: والله { لَنُهلكنَّ الظالمين } فتخلى بلادهم، { ولَنُسْكِنَنكُم الأرضَ من بَعدهم } أي: أرضهم وديارهم، لقوله:وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱ } [الأعراف: 137]. { ذلك } الميراث والإسكان { لمن خاف مقامِي } أي: قيامه للحساب بين يدي في القيامة، أو قيامي على عبادي، وحفظي لأعمالهم، واطلاعي على سرهم وعلانيتهم. أو خاف عظمة ذاتي وجلالي، { وخاف وعيد } أي: وعيدي بالعذاب، أو عذابي الموعود للكفار. { واستفتحوا } أي: استفتح الرسل: طلبوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين أعاديهم، كقوله:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 89] واستفتح الكفرة واستنصروا على غلبة الرسل، على نحو قول أبي جهل في غزوة بدر: اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة، أي: أهلكه. أو: استفتح الفريقان معاً، فكل واحد منهما سأل الله أن يُهلك المبطل وينصر المحق. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن: بكسر التاء على الأمر للرسل بطلب الفتح. { وخاب }: خسر { كلُّ جبارٍ }: متكبر على الله، { عنيدٍ }: معاند للحق ولمن جاء به. وهذا هو الفتح الذي فتح لهم، وهو: خيبة المتكبرين وفلاح المؤمنين. ثم ذكر مآل خيبتهم بقوله: { من ورائه جهنمُ } أي: أمامه وبين يديه، فإنه مرْصد بها، واقف على شفيرها في الدنيا، مبعوث إليها بعد الموت فيلقى فيها، { ويُسقى من ماءٍ صديد } ، وهو ما يسيل من جلود الكفارمن القيح والدم. { يتجرَّعُه }: يتكلف جرعه، أي: زهوقه في حلقه. رُوي: " أن الكافر يؤتى بالشربة منه فيتكرهها، فإذا أدْنيت منه شوت وجهه، وسقطت فيها فروة رأسه، فإذا شربها قطعت أمعاءه ". فيتجرعه { ولا يكادُ يُسيغُه } أي: لا يقارب أن يُسيغه، أي: يبتلعه بصعوبة فكيف يُسيغه، بل يكلف به ويطول عذابه ثم يبتلعه لأن نفي " كاد " يقتضي الوقوع. والسوغ: جواز الشراب على الحلق بسهولة، وهذا بخلافه.

السابقالتالي
2