الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } * { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ }

يقول الحق جل جلاله: { ولقد ارسلنا رُسُلاً من قَبلكَ } يا محمد، { وجعلنا لهم أزواجاً } كثيرة: كداود عليه السلام كان له مائة امرأة، وابنه كان له ألف، على ما قيل، وغيرهما من الأنبياء والرسل. { و } جعلنا لهم منهن { ذُريةً } ، وأنت يا محمد منهم فليس ببدع أن يكون الرسول بشراً، يتزوج النساء، ويحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر، إلا أنه لا يشغله ذلك عن أداء الرسالة، ونصيحة الأمة، وإظهار شريعة الدين، والقيام بحقوق رب العالمين. ولما أجابهم بشبهتهم قالوا: أظهر لنا معجزة كما كانت لهم، كالعصا وفلق البحر، وإحياء الموتى؟ فإنزل الله { وما كان لرسول } ما صح له ولم يكن في وسعه { أن يأتي بآيةٍ } تُقترح عليه، ويظهرها { إلا بإذن الله } وإرادته فإنه القادر على ذلك. { لكل أجلٍ } من آجال بني آدم وغيرهم، { كتابٌ } يُكتب فيه وقت موته، وانتقاله من الدنيا. { يمحو الله ما يشاء } من ديوان الأحياء، فيكتب في الأموات، { ويُثبتُ } من لا يموت. قيل: إن هذا الكتاب يُكتب ليلة القدر، أو ليلة النصف من شعبان، ويجمع بينهما بأن الكتابة تقع ليلة النصف، وإبرازه للملائكة ليلة القدر، { وعنده أُمُّ الكتاب } أي: الأصل المنسوخ منه كتب الآجال، وهو اللوح المحفوظ، أو العلم القديم. وهذا التفسير يناسب اقتراح الآيات لأنهم إذا أجيبوا بظهور الآية ولم يؤمنوا، عوجلوا بالهلاك، وذلك له كتاب محدود. قال الورتجبي: بيَّن الحق ـ سبحانه ـ أن أوان إتيان الآية بأجل معلوم في وقت معروف، بقوله: { لكل أجل كتاب } أي: لكل مقدور في الأزل في قضية مرادة وقت معلوم في علم الله، لا يأتي إلا في وقته. هـ. أو: { لكل أجل } أي: عصر وزمان، { كتاب } فيه شريعة مخصوصة على ما يقتضيه استصلاحهم. { يمحو الله ما يشاء }: ينسخ ما يستصوب نسخه من الشرائع، { ويُثبتُ } ما تقتضي الحكمة عدم نسخه. { وعنده أم الكتاب } وهو: اللوح المحفوظ فإنه جامع للكائنات. وهذا يترتب على قوله: { ومن الأحزاب من ينكر بعضه } ، وهو ما لا يوافق شريعتهم. قال سيدي عبد الرحمن الفاسي: { يمحو الله ما يشاء } ما يستصوب نسخه، { ويُثبت } ما تقتضيه حكمته، فلا ينكر مخالفته للشرائع في بعض الأحكام مع موافقته للحكم، وهو الأصول الثابتة في أصول الشرائع، ولذا قال: { وعنده أمُّ الكتاب } أي: لا يبدل. هـ. وقريب منه للبيضاوي. وقيل: إن المحو والإثبات عام في جميع الأشياء. قال ابن جزي: وهذا ترده القاعدة المتقررة بأن القضاء والقدرلا يتبدل، وعلم الله لا يتغير. هـ. قلت: أما القضاء المبرم، وهو: علم الله القديم الذي استأثر الله به، فلا شك أنه لا يتبدل ولا يغير، وأما القضاء الذي يبرز إلى علم الخلائق من الملائكة وغيرهم، فيقع فيه المحو والإثبات، وذلك أن الحق تعالى قد يُطلعهم على بعض الأقضية، وهي عنده متوقفة على أسباب وشروط يخفيها عنهم بقهريته، ليظهر اختصاصه بالعلم الحقيقي، فإذا أراد الملائكة أن ينفذوا ذلك الأمر محاه الله تعالى، وأثبت ما عنده في علم غيبه، وهو أُمُّ الكتاب، حتى قال بعضهم: إن اللوح الحفوظ له جهتان: جهة تلي عالَم الغيب، وفيه القضاء المبرم، وجهة تلي عالَم الشهادة، وفيه القضاء الذي يُرد ويُمْحى لأنه قد تكتب فيه أمور، وهي متوقفة على شروط وأسباب في علم الغيب، لم تظهر في هذه الجهة التي تلي عَالَم الشهادة، فيقع فيها المحو والإثبات، وبهذا يندفع إشكالات كقوله في الحديث:

السابقالتالي
2 3 4