الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

جواب لو: محذوف، أي: لم يؤمنوا لسابق الشقاء، أو: لكان هذا القرآن، وسيأتي بيانه. يقول الحق جل جلاله: { ولو أن قرآناً } أنزل عليك، من صفته: { سُيِّرت به الجبالُ } أي: زعزعت عن مقارها، { أو قُطعَت به الأرضُ }: تصدعت وتشققت من خشية الله عند قراءته، أو: تشققت فجعلت أنهاراً وعيوناً، { أو كُلِّمَ به الموتى } فتجيب من قبورها جهراً، كما آمنوا لعنادهم وغلبة الحسد عليهم. فهذا كقوله تعالىوَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } [الأنعام: 111]، أو: ولو أن قرآناً بهذه الصفة: من تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى، لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإعجاز، والنهاية في التذكير والإنذار، والأرل أرجح لمناسبة ما قبله وما بعده. رُوي أن قريشاً قالوا: يا محمد، إنْ سَرَّك أن نتبعك فَسَيِّرْ بقرآنك الجبالَ عن مكة، حتى تتسع لنا فنتخذها بساتين وقطائع. أو سخر لنا به الريح لنركبها، فَنَتَّجِرَ بها إلى الشام. أو ابعث لنا قُصَيَّ بن كلاب فإنه شيخَ صِدْقٍ، أو غيره من آبائنا، فيكلمونا فيك، ويشهدوا لك بما تقول. فنزلت الآية. { بل لله الأمرُ جميعاً } ليس لي منه شيء، فهو القادر على الإتيان بما اقترحتموه من الآيات، إلا أن الإرادة لم تتعلق بذلك لأنه علم أنه لا ينجع فيكم شيء من ذلك لفرط عنادكم، فإذا رأيتموها قلتم:إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [الحجر: 15]، وبيَّن ذلك قوله: { أفلم ييأس الذين آمنوا } من إيمانهم مع رأوا من أحوالهم، وفرط عنادهم، علماً منهم { أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً } ، أو: { أفلم ييأس } أي: يعلم { الذين آمنوا } أن الهداية بيد الله، ومشيئته، فلو شاء لهدى الناس جميعاً، وكون " ييأس " بمعنى " علم ": لغة هوازن فقد علموا بما أعلمهم أن الله لا يهدي من يضل. وقد قرأ علي وابن عباس وجماعة: " أفلم يتبين الذين آمنوا " ، وهو يقوي تفسير ييأس بيعلم. قال البيضاوي: وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم، لأنه مُسَبِّبٌ عن العلم، فإن الميئوس منه لا يكون إلا معلوماً. ولذلك علّقه بقوله: { أن لو يشاء اللهُ لهدى الناس جميعاً } فإن معناه نفي هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم، وهو ـ على الأول ـ يتعلق بمحذوف تقديره: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمانهم علماً منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً. أو: بآمنوا، على حذف الجار، أي: بأن الله... الخ. هـ. { ولا يزال الذين كفروا } من قريش والعرب، { تُصيبُهم بما صنعوا } من الكفر والمعاصي، { قارِعةٌ } داهية تقرعهم تقلقهم، وتصيبهم في أنفسهم وأولادهم وأموالهم. أو غزوات المسلمين إليهم، إمَّا أن تنزل بهم { أو تَحُلُّ قريباً من دارهم } فيفزعون منها وتتطاير إليهم شررها.

السابقالتالي
2