الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }

قلت: الموصول: بدل ممن أناب، أو خبر عن مضمر، أي: هم. والموصول الثاني بدل ثانٍ، أو مبتدأ، وجملة طوبى: خبر، وهي فُعْلى، من الطيب، كبشرى من البشارة، قلبت ياؤها واواً لضم ما قبلها، ومعناها: أصبت خيراً وطيباً. وقيل: شجرة في الجنة. وسوغ الابتداء بها: ما فيها من معنى الدعاء. يقول الحق جل جلاله: في وصف من سبقت له الهداية واتصفت بالإنابة: هم { الذين آمنوا } بالله وبرسوله إيماناً تمكَّن من قلوبهم، واطمأنت إليه نفوسُهم فإذا حركتهم الخواطر والهواجم، أو فتن الزمان وأهواله { تطمئن قلوبُهم بذِكرِ اللهِ } ، وترتاح بذكر الله أُنساً به، واعتماداً عليه ورجاء منه، أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته، أو بذكر آلائه، ودلائله الدالة على وجوده ووحدانيته، أو بكلامه القرآن، الذي هو أقوى المعجزات. قاله البيضاوي. وقال في القوت: معنى تطمئن بذكر الله: تهش وتستأنس به. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرَّحمن الفاسي بعد كلام: والحاصل أن المراد من الطمأنينة: السكون إلى المذكور، والأنس به. ووجود الرَّوْحِ والفرح والانشراح، والغنى به. هـ. قال تعالى: { ألا بذِكْرِ الله تطمئن القلوبُ } لا بغيره، فلا تسكن إلا إليه، ولا تعتمد إلا عليه فإن سكنت إلى غيره ذهب نورها، وعظم قلقها. { الذين آمنوا وعملوا الصالحات طُوبَى لهم } أي: لهم عيش طيب وحياة طيبة. أو الجنة، أو شجرة فيها، { وحُسنُ مآبٍ } أي: مرجع يرجعون إليه بعد الموت. الإشارة: الطمأنينة على قسمين: طمأنينة إيمان وطمأنينة شهود وعيان. قوم اطمأنوا إلى غائب موجود، وقوم إلى آخر مشهود. قوم اطمأنوا بوجود الله من طريق الإيمان على نعت الدليل والبرهان، وقوم اطمأنوا بشهود الله من طريق العيان على نعت الذوق والوجدان. وهذه ثمرة الإكثار من ذكر الله. قال الشيخ الشاذلي رضي الله عنه: حقيقة الذكر: ما اطمأن بمعناه القلب، وتجلّى في حقائق سحاب أنوار سمائه الرب. هـ. وقال الورتجبي: إنْ كان الإيمان من حيث الاعتقاد، فطمأنينة القلب بالذكر، وإن كان من حيث المشاهدة فطمأنينة القلوب بالله وكشف وجوده. هـ. فطمأنينة الإيمان لأهل التفكر والاعتبار من عامة أهل اليمين. وطمأنينة العيان لأهل الشهود والاستبصار من خاصة المقربين. أهل الأولى يستدلون بالأشياء على الله، وأهل الثانية يستدلون بالله على الأشياء فلا يرون إلا مظهر الأشياء. وشتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله، وأثبت الأمر من وجود أصله، والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه، وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه، ومتى بَعُدَ حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه؟!. كما في الحِكَم. وقال في المناجاة: " إلهي كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟!.

السابقالتالي
2 3