الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

قلت: جُفاء: حال. والحسنى: مبتدأ، وللذين: خبر مقدم. والذين لم يستجيبوا: مبتدأ ولو أن: خبر، أو للذين: متعلق بيضرب، والحسنى: نعت لمصدر محذوف، والذين: معطوف على الذين الأولى، أي: يضرب الأمثال للذين استجابوا الاستجابة الحسنى وللذين لم يستجيبوا، ثم استانف قوله: لو أن... إلخ. يقول الحق جل جلاله: { أنزل من السماء } أي: السحاب، أو ناحية السماء، { ماءً } مطراً { فسالتْ } به { أودية }: أنهار، جمع وادٍ، وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة، فاتسع واستعمل للماء الجاري فيه. { بقَدَرها } أي: بقَدَر صغرها وكبرها، كل يسيل على قدره، أو بقدر ما قسم في قسمة الله تعالى، وعلم أنه نافع غير ضار، { فاحتمل السيلُ زَبَداً } أي: رفعه على وجه الماء، وهو ما يحمله السيْل من غذاء ونحوه، أو ما يطفو على الماء من غليانه، { رابياً }: عالياً على وجه الماء، { ومما تُوقدون عليه في النار } من الذهب وفضة، وحديد ورصاص ونحاس وغيره، { ابتغاءً } أي: لطلب { حليةٍ } كالذهب والفضة، { أو متاع } كالحديد والنحاس يصنع منه ما يتمتع به من الأواني وآلات الحرب والحرث. والمقصود بذلك: بيان منافعها، فكل واحد منهما له { زَبَدٌ مثله } أي: مثل زبد الماء، وهو خبثه الذي تخرجه النار عند سبكه. { كذلك يَضْرِِبُ اللَّهُ الحقَّ والباطل } فمثل الحق ـ وهو العلم بالله وبأحكامه ـ كمثل الأمطار الغزيرة، ومثل القلوب التي سكن فيها، وجرت حِكَمُه على ألسنة أهلها كالأودية والأنهار والخلجان، كلٌّ يحمل منه على قدره، وسعة صدره، ومثل الباطل الذي دمغه وذهب به كالزبد وخبث الحديد والنحاس، أو الذهب والفضة. وسيأتي في الإشارة تكميله إن شاء الله. ورُوِي مثل هذا عن ابن عباس. وإنكار ابن عطية له جمود، وتَذَكرْ حديث البخاري: " مثل ما بعثني الله به من الهدى... " الحديث، فإنه يشهد لذلك التأويل. وتقدم له بنفسه في قوله:أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ } [يوسف:39] ما يشير إلى تفسير أهل الإشارة والرموز. وراجع ما تقدم لنا في خطبة الكتاب يظهر لك الحق والصواب. قال البيضاوي: مُثِّلَ الحقُّ في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء، فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة، فتنفع به أنواع المنافع، ويمكن في الأرض، فيثبت بعضه في منابعه، ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والآبار، وبالفِلِزِّ الذي ينتفع به في صَوْغ الحلي، واتخاذ الأمتعة المختلفة، ويدوم ذلك مدة متطاولة. والباطلُ، في قلة نفعه وسرعة ذهابه، بزبدهما، وبيَّن ذلك بقوله: { فأما الزَّبدُ فيذهب جُفَاءً } ، أي: مَرْمياً به، من جفاه: رمى به وأبعده، أي: يرمى به السيل والفلز المذاب. هـ. { وأما ما ينفع الناس } كالماء، وخالص الذهب أو الحديد، { فيمكثُ في الأرض } لينتفع به أهلها.

السابقالتالي
2 3