الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }

يقول الحق جل جلاله: { قل } يا محمد للمشركين: { من ربُّ السماوات والأرض } أي: خالقهما، ومدبر أمرهما، { قل } لهم: هو { الله } لا خالق سواه، ولا مدبر غيره، أجاب عنهم بذلك، إذ لا جواب لهم سواه لأنهم يقرون به، ولكنهم يشركون به، فأبطل ذلك بقوله: { قل أفاتخذتم من دونه أولياءَ } أصناماً جامدة تتولونها بالمحبة والنصرة والدفع، وهم جوامد { لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً } أي: لا يقدرون أن يجلبوا لأنفسهم نفعاً، ولا يدفعون عنهم ضراً، فكيف يقدرون أن ينفعوا غيرهم ممن عبدهم، أو يدفعون عنه ضراً؟!. وهو دليل على ضلالهم وفساد رأيهم، في اتخاذهم الأصنامَ أولياء، وجاء أن يشفعوا لهم. { قل هل يستوي الأعمى والبصيرُ } أي: الكافر الجاهل، الذي عميت بصيرته بالجهل والشرك، والمؤمن الموحد الذي انفتحت بصيرته بالإيمان والعلم. أو المعبود الغافل عن عبادة من عبده، والعالم بأسرار عباده. { أم هل تستوي الظلماتُ والنور } الكفر والإيمان، أو الجهل والعلم. { أم }: بل { جعلوا لله شركاءَ } من صفتهم، { خَلقوا كخلقه فتشابه } التبس { الخلقُ عليهم } فلم يدروا ما خلق الله مما خلق أصنامُهم، وهذا كله داخل الإنكار. والمعنى: هل خلق شركاؤهم خلقاً كخلق الله، فالتبس الخلق عليهم، فلم يُميزوا خلق الله من خلق أصنامهم، حتى ظنوا أنها تستحق أن تُعبد مع الله، أو يُطلب منها حوائج دون الله؟!. ثم أبطل ذلك بقوله: { قل اللَّهُ خالقُ كل شيء } ، قال البيضاوي: والمعنى أنهم ما اتخذوا له شركاء خالقين مثله حتى يتشابه الخلق عليهم، فيقولوا: هؤلاء خلقوا كما خلق الله، واستحقوا العبادة كما استحقها، ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق، فضلاً عما يقدر عليه الخالق.هـ. { قل اللهُ خالق كل شيء } لا خالق غيره فيشاركه في العبادة. جعل الخلق موجب الخلق مُوجَب العبادة، ولازم استحقاقها، ثم نفاه عما سواه ليتحقق انفراده بالربوبية والقهرية كما أفاد قوله: { وهو الواحدُ } في الألوهية، { القهار } بتصريف أحكام الربوبية. هـ. الإشارة: إذا علِم العبدُ أن ربه قائم بأمر خلقه، مدبر لشأن ملكه، من عرشه إلى فرشه، جعل حوائجه كلها وقْفاً عليه، وانحاش بكليته إليه، ورفع همته عن خلقه، إذ ليس بيدهم ضر ولا نفع، ولا جلب ولا دفع، بل هم عاجزون عن إصلاح أنفسهم، فكيف يقدرون أن ينفعوا غيرهم؟! وفي الحكم العطائية: " لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فيكف يرفع إلى غيره ما كان هو له واضعاً، من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه: فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره رافعاً ". وقال بعض العارفين من المُكَاشَفين ـ رضي الله عنهم ـ: قيل لي في نوم كاليقظة، أو يقظة كالنوم: لا تُبْديَنّ فاقة فأضَاعفها عليك، مكافأة لسوء أدبك، وخروجك عن حد عبوديتك.

السابقالتالي
2