الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } * { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }

قلت: وإذا: ظرف، والعامل فيه: ما دل عليه الجواب، أي: لا يُرد ما قضى إذا أراد إنفاده. وخوفاً وطعماً: منصوبان على العلة بتقدير المضاف، أي: إرادة الخوف والطمع ليتحد الفاعل، أو بتأويل: يجعلكم ترون البرق خوفاً وطمعاً. والثقال: نعت للسحاب، وجَمَعَه لأن السحاب جنس بمعنى الجمع. وجملة: { وهم يجادلون }: إما استئنافية، أو حال من الموصول، والمِحال: المكر والخديعة. من مَحَل بفلان إذا كاده وعرَّضه للهلاك، ومنه تَحَمَّلَ: إذا تكلَّف استعمال الحيلة، فالميم أصلية، ووزنه: فِعَال، وقيل: مشتق من الحيلة، فالميم زائدة، ووزنه: مِفْعَل، وأصله: مِحْيَل. يقول الحق جل جلاله: { إن الله لا يُغَيّر ما بِقومٍ } من النعم والعافية إلى النقمة والبلية { حتى يُغَيِّروا } هم { ما بأنفسهم } من الطاعة وترك المعصية، إلى ارتكاب الذنوب. فلا يسلب النعم عن قوم إلا بارتكاب ذنب، ولو من البعض إذا سكت الكل. { وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مردّ له } أي فلا رادّ له ولا معقب لحكمه، { وما لهم من دونه من وَالٍ } أي: ليس لهم من يلي أمرهم، ويدفع عنهم السوء الذي قضاه الله عليهم، وأراد نزوله بهم لأن وقوع خلاف مراد الله تعالى محال. { هو الذي يُريكم البَرق خوفاً وطمعاً } أي: خوفاً مما ينشأ عن البرق من الصواعق والأمور الهائلة، وطمعاً في نزول الغيث الذي يكون معه غالباً، { ويُنشئ } أي: يخلق { السحاب } الغيم المسْحب، { الثِّقال }: المثقل بالمطر الحاملة له، { ويُسبحُ الرعدُ بحمده } أي: متلبساً بحمده. أو: يدل الرعد بنفسه على وحدانيته تعالى وكمال قدرته ملتبساً بالدلالة على كمال فضله، ونزول رحمته. وعن ابن عباس رضي الله عنه: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد فقال: " مَلَكٌ مَوَكَّلُ بالسَّحابِ، له مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ السَّحَاب ". { و } تسبح أيضاً { الملائكة من خِيفَته } أي: من خوفه وإجلاله، { ويُرسل الصواعقَ } نار تنزل من السماء وقت ضرب الرعد، { فيصيب بها ما يشاء } فيهلكه { وهم يجادلون في الله } أي: الكفار، حيث يكذبون رسوله فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة، والتفرد بالألوهية، وبعث الناس وحشرهم للمجازاة، { وهو شديد المِحَال } أي: شديد المكر بأعدائه، الذين أرادوا أن يمكروا بنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ. رُوي أن عامر بن الطُفَيل وأرْبَدَ بن ربيعة وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين لقتله، فأخذ عامر بالمجادلة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغله، ودار أرْبَدُ من خلفه ليضربه بالسيف، فتنبه له الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال: " اللَّهُمَّ اكفنيهما بِمَا شِئتَ " ، فأرسل الله على أرْبد صاعقة فقتلته، ورُمي عامرٌ بغدة، فمات في بيت امرأة سلُوليَّة، فكان يقول: غُدة كغُدَّة البعير، وموت في بيت امرأة سلُولِيَّة! فنزلت الآية من أولها، وهو قوله: { له معقبات.

السابقالتالي
2