الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

قلت: جواب لولا: محذوف، أي: لولا أن تفندون لقلت إنه قريب، أو لصدقتموني. يقول الحق جل جلاله: قال يوسف لإخوته لما عرفوه، وأزال ما بينه وبينهم من الوحشة، وقد أخذ قميصه: { اذهبوا بقميصي هذا } ، رُوي أن هذا القميص كان لإبراهيم الذي لبسه حين كان في النار، وقيل: ألبسه له جبريل حين خرج من النار، وكان من ثياب الجنة، ثم كان لإسحاق ثم ليعقوب، ثم كان دفعه ليوسف، فكان عنده في حِفَاظ من قصب، وكان في عنقه في الجب، وأمره جبريل بإرساله، وقال: إنه قميص يوسف الذي هو منه بمنزلة قميص كل واحد. وبهذا تتبين الغرابة في أن وجد يعقوبُ ريحة من بُعدٍ ولو كان من قميص الجنة لما كان في ذلك غرابة، ويجده كل أحد. هـ. قلت: وما قاله لا ينهض لأن ما ظهر من الجنة إلى دار الدنيا لا يبقى على حاله دائماً لأنه من أسرار الغيب، بل لا يجده إلا أهل الذوق من أهل القرب، كنور الحجر الأسود، وغيره مما نزل من الجنة. والله تعالى أعلم. ثم قال لهم اذهبوا به: { فألقوه على وجهِ أبي يأتِ بصيراً } أي: يرجع بصيراً، علم ذلك بوحي، أو تجربة من القميص، { وأتوني بأهلكم أجمعين } نسائكم وذراريكم وأموالكم. { ولما فَصَلَتِ العيرُ } من مصر، وخرجت من عمارتها، { قال أبوهم } لمن حضره: { إني لأجِدُ ريحَ يوسف } أوجده الله، ريح ما عَبَق من قميصه حين أقبل إليه به يهوذا من ثمانين فرسخاً لأن يعقوب كان إذ ذاك ببيت المقدس، ويوسف بمصر، { لولا أن تُفَنِّدون } تنسبوني إلى الفِند، وهو: نُقصان عَقْلِ يحدث من هِرَم. ولذلك لا يقال عجوز مفندة لأن نقصان عقلها ذاتي. أي: لولا أن تحمِّقوني لقلت إنه قريب، أو لصدقتموني في ذلك، أو لولا أن تلوموني، وتردوا عليّ قولي لقلت إنه ريح يوسف. { قالوا } أي: الحاضرون: { تاللهِ إنك لفي ضلالِكَ القديم } أي: إنك لفي خطئك القديم بالإفراط في محبة يوسف، وإكثار ذكره، وتوقع لقائه. { فلما أن جاءَ البشير } أي: المبشر، وهو يهوذا. رُوي أنه قال: كنتُ أحزنْتُه بِحَمل قميصه المُلَطَّخ بالدم إليه، اليوم أفرحُه بحمل هذا إليه. وفي رواية عنه قال: إني ذهبت إليه بقميص التَّرْحَة، فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة. فلما وصل إليه { ألقاه على وجهه } طرح البشيرُ القميصَ على وجه يعقوب، أو: القاه يعقوبُ بنفسه على وجهه، { فارتدَّ بصيراً } بقدرة الله وبركة القميص. { قال ألم أقلْ لكم إني أعلمُ من الله ما لا تعملون } من حياة يوسف، وإنزال الفرج. { قالوا يا أبانا استغفرْ لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين } ، وقد اعترفنا بذنوبنا، وسألنا المغفرة.

السابقالتالي
2