الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } * { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } * { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } * { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }

قلت: ما كان: جواب " لما " ، وإلا حاجة: استثناء منقطع. وجزاؤه: مبتدأ، ومن: شرطية أو موصولة، وخبرها: فهو جزاؤه، والجملة: خبر جزاء الأول. أو جزاؤه: مبتدأ ومن خبر، على حذف مضاف، أي: جزاؤه أخذ من وُجد في رحله، وتم الكلام، وفهو جزاؤه: جملة مستقلة تقريرية لما قبلها. يقول الحق جل جلاله: { ولمّا دخلوا من حيثُ أمرهم ابُوهم } أي: من أبواب متفرقة في البلد، { ما كان يُغني عنهم } أي: ما أغنى عنهم رأي يعقوب واتَّبَاعهم له { من الله من شيء } مما قضى عليهم، فاتُّهموا بالسرقة وظهرت عليهم، فأخذ بنيامين الذي كان الخوف عليه، وتضاعفت المصيبة على يعقوب، { إلا حاجةً }: لكن حاجة { في نفس يعقوب } يعني: شفقته عليهم، وتحرزه من أن يعانوا، { قضاها } أظهرها ووصى بها. { وإنه لَذُو علم لمَا علمناه } بالوحي ونصب الدليل. ولذلك قال: { وما أغنى عنكم من الله من شيء } فلم يغتر بتدبيره، ففيه تنزيه ليعقوب عن الوقوف مع الأسباب والعوائد، ورفع إيهام وقوفه مع عالم الحكمة. { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } سر القدر وأنه لا ينفع منه الحذر. قال ابن عطية: قوله: { ما كان يغني عنهم من الله من شيء } ، معناه: ما درأ عنهم قدراً لأنه لو قَُضِي أن تصيبهم عين لأصابتهم، مفترقين أو مجتمعين. وإنما طمع يعقوب عليه السلام أن تصادف وصيته القدر في سلامتهم. ثم أثنى الله ـ عز وجل ـ على يعقوب بأنه لقن مما علمه الله من هذا المعنى، واندرج غيره في ذلك العموم، وقال: إن أكثر الناس ليس كذلك. هـ. { ولما دخلوا على يوسفَ آوى إليه أخاه } أي: ضم إليه بنيامين على الطعام، أو في المنزل. رُوي أنه أضافهم، فأجلسهم اثنين اثنين، فبقي بنيامين وحيداً فبكى، وقال: لو كان يوسف حياً لجلس معي، فأجلسه معه على مائدته، ثم قال: لينزل كل اثنين بيتاً، وهذا لا ثاني له فيكون معي، فبات عنده، وقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال: من يجد إذاً مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، { قال إني أنا أخوك } وعرفه بنفسه، { فلا تبتئس } ولا تحزن { بما كانوا يعملون } في حقنا من الأذى، أو: لا تحزن بما يعمله فتياني، ولا تبالي بما تراه في تحيُّلي في أخذك. { فلما جَهَّزهُم بجَهَازِهمْ جعل السِّقايةَ } ، التي هي الصواع، { في رَحْلِ أَخيه } ، وهي إناء يشرب بها الملك، ويأكل فيها، وكان من فضة، وقيل: من ذهب. وقيل: كان صاعاً يُكال به. وقصد بجعله في رحل أخيه أن يحتال على إمساكه معه إذ كان شَرْعُ يعقوب أن من سرق استعبده المسروق منه. { ثم أذَّن مؤَذِّنٌ } بعد أن انصرفوا: { أيتها العير إنكُم لسارقون } ، والخطاب لإخوة يوسف، وإنما استحل رميهم بالسرقة مع علمه بانهم أبرياء لما في ذلك من المصلحة في المآل، وبوحي لا محالة، وإرادة من الله تعالى عَنَتُهم بذلك، يقويه قوله تعالى: { كذلك كدنا ليوسف } ، ويمكن من أن يكون فيه تورية، وفيها مندوحة عن الكذب، أي: إنكم لسارقون يوسف من أبيه، حين باعوه.

السابقالتالي
2 3