قلت: ما كان: جواب " لما " ، وإلا حاجة: استثناء منقطع. وجزاؤه: مبتدأ، ومن: شرطية أو موصولة، وخبرها: فهو جزاؤه، والجملة: خبر جزاء الأول. أو جزاؤه: مبتدأ ومن خبر، على حذف مضاف، أي: جزاؤه أخذ من وُجد في رحله، وتم الكلام، وفهو جزاؤه: جملة مستقلة تقريرية لما قبلها. يقول الحق جل جلاله: { ولمّا دخلوا من حيثُ أمرهم ابُوهم } أي: من أبواب متفرقة في البلد، { ما كان يُغني عنهم } أي: ما أغنى عنهم رأي يعقوب واتَّبَاعهم له { من الله من شيء } مما قضى عليهم، فاتُّهموا بالسرقة وظهرت عليهم، فأخذ بنيامين الذي كان الخوف عليه، وتضاعفت المصيبة على يعقوب، { إلا حاجةً }: لكن حاجة { في نفس يعقوب } يعني: شفقته عليهم، وتحرزه من أن يعانوا، { قضاها } أظهرها ووصى بها. { وإنه لَذُو علم لمَا علمناه } بالوحي ونصب الدليل. ولذلك قال: { وما أغنى عنكم من الله من شيء } فلم يغتر بتدبيره، ففيه تنزيه ليعقوب عن الوقوف مع الأسباب والعوائد، ورفع إيهام وقوفه مع عالم الحكمة. { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } سر القدر وأنه لا ينفع منه الحذر. قال ابن عطية: قوله: { ما كان يغني عنهم من الله من شيء } ، معناه: ما درأ عنهم قدراً لأنه لو قَُضِي أن تصيبهم عين لأصابتهم، مفترقين أو مجتمعين. وإنما طمع يعقوب عليه السلام أن تصادف وصيته القدر في سلامتهم. ثم أثنى الله ـ عز وجل ـ على يعقوب بأنه لقن مما علمه الله من هذا المعنى، واندرج غيره في ذلك العموم، وقال: إن أكثر الناس ليس كذلك. هـ. { ولما دخلوا على يوسفَ آوى إليه أخاه } أي: ضم إليه بنيامين على الطعام، أو في المنزل. رُوي أنه أضافهم، فأجلسهم اثنين اثنين، فبقي بنيامين وحيداً فبكى، وقال: لو كان يوسف حياً لجلس معي، فأجلسه معه على مائدته، ثم قال: لينزل كل اثنين بيتاً، وهذا لا ثاني له فيكون معي، فبات عنده، وقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال: من يجد إذاً مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، { قال إني أنا أخوك } وعرفه بنفسه، { فلا تبتئس } ولا تحزن { بما كانوا يعملون } في حقنا من الأذى، أو: لا تحزن بما يعمله فتياني، ولا تبالي بما تراه في تحيُّلي في أخذك. { فلما جَهَّزهُم بجَهَازِهمْ جعل السِّقايةَ } ، التي هي الصواع، { في رَحْلِ أَخيه } ، وهي إناء يشرب بها الملك، ويأكل فيها، وكان من فضة، وقيل: من ذهب. وقيل: كان صاعاً يُكال به. وقصد بجعله في رحل أخيه أن يحتال على إمساكه معه إذ كان شَرْعُ يعقوب أن من سرق استعبده المسروق منه. { ثم أذَّن مؤَذِّنٌ } بعد أن انصرفوا: { أيتها العير إنكُم لسارقون } ، والخطاب لإخوة يوسف، وإنما استحل رميهم بالسرقة مع علمه بانهم أبرياء لما في ذلك من المصلحة في المآل، وبوحي لا محالة، وإرادة من الله تعالى عَنَتُهم بذلك، يقويه قوله تعالى: { كذلك كدنا ليوسف } ، ويمكن من أن يكون فيه تورية، وفيها مندوحة عن الكذب، أي: إنكم لسارقون يوسف من أبيه، حين باعوه.