الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } * { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } * { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { وجاء إخوة يوسف } إلى مصر للميرة، { فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون } ، إنما أنكروه لبعد العهد ولتغير سنه، ولأنهم فارقوه في سن الحداثة، ولتوهمهم أنه هللك، أو لقلة تأملهم في حاله لشدة هيبتهم إياه، أو لأنه كان مُلثّماً. رُوي أنهم دخلوا عليه في قصر مُلكه وهو في هيئة عظيمة من الملك، والتاج على رأسه، فقال لهم بعد أن عرفهم: من أنتم، وما أمركم، وما جاء بكم إلى بلادي، ولعلكم عيون؟ فقالوا: معاذ الله، نحن بنو أب واحد، وهو شيخ صدِّيق، نبي من الأنبياء، اسمه يعقوب. قال: كم أنتم. قالوا: كنا اثني عشر، فذهب أحدنا إلى البرية، فهلك. فقال: فكم أنتم ها هنا؟ قالوا: عشرة. قال: فأين الحادي عشر؟ قالوا: عند أبيه يتسلّى به عن الهالك، قال: فمن يشهد لكم؟ قالوا: لا يعرفنا ها هنا من يشهد لنا. قال: فَدَعوا عندي بعضكم رهينة، وائتوني بأخ لكم من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا فأصابت شمعون. وهذا معنى قوله: { ولما جَهَّزَهُم بجَهَازهم } أعطاهم ما اشتروا منه الطعام، وأوقر ركابهم { قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم } وهو: بنيامين ـ بكسر الباء ـ على وزن إسرائيل، قاله في القاموس. وقيل: كان يوسف عليه السلام يعطي لكل نفس حملاً، ولا يزيد عليه، فسألوه حِملاً زائداً لأخيهم من أبيهم فأعطاهم، وشرط عليهم أن يأتوا به ليعلم صدقهم. ثم قال لهم: { ألا ترَوْنَ أني أُوفي الكيلَ وأنا خيرُ المنزِلين } للأضيافِ. قال لهم ذلك ترغيباً في رجوعهم، وقد كان أحسن ضيافتهم غاية الإحسان. رُوي أنه عليه السلام نادى صاحب المائدة، وقال له: لا تنزل هؤلاء بدار الغرباء، ولا بدار الأضياف، ولكن أدخلهم داري، وانصب لهم مائدة كما تنصبها لي، واحفظهم وأكرمهم. فسأله عنهم، فلم يجب، فبسط لهم الفرش والوسائد، فلما جن الليل أمر أن توضع بين أيديهم الموائد، والشماع، والمجامر، وهم ينظرون من كوة إلى دار الأضياف، وقد بلغ بهم الجهد، فكانوا يعطونهم قرصة شعير لكل أحد من الغرباء، وهم يرون ما بين أيديهم من الإكرام والطعام، وقد بلغ الحمل من الطعام ألفاً ومائتي دينار. فقال بعضهم لبعض: إن هذا المَلك أكرمنا بكرامة ما أكرم بها أحداً من الغرباء! فقال شمعون: لعل الملك سمع بذكر آبائنا فأكرمنا لأجلهم. وقال آخر: لعله أكرم فقرنا وفاقتنا. ويوسف عليه السلام ينظر إليهم من كوة ويسمع كلامهم، ويبكي. ثم قال لولده ميشا: اشدد وسطك بالمنطقة واخدم هؤلاء القوم، فقال له: من هم يا أبت؟ فقال: هم أعمامك يا بني، قال: يا أبت هؤلاء الذين باعوك؟ قال: نعم، باعوني حتى صرت مَلك مصر، ما تقول يا بني، أحسَنُوا أو أساؤوا؟ قال: بل أحسَنوا فما أقول لهم؟ قال: لا تكلمهم، ولا تُفش لهم سراً حتى يأذن الله بذلك، فبقوا في الضيافة ثلاثاً أو أكثر، ثم جهزهم، وأرسلهم، وشرط عليم أن يأتوا بأخيه بنيامين.

السابقالتالي
2