الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قلت: نسوة: اسم جمع لامرأة. وتأنيثه غير حقيقي، ولذلك جرد فعله من التاء. وفي المدينة متعلق بقال، أي: أشعن الخبر في المدينة، أو: صفة لنسوة، فيتعلق بالاستقرار. وحباً: تمييز. وحاشَ لله: قال أبو علي الفارسي: هي هنا فعل، والدليل على ذلك من وجهين، أحدهما: أنها دخلت على لام الجر، ولا يدخل حرف على حرف. والآخر: أنها حذف منها الألف، على قراءة الجماعة، والحروف لا يحذف منها شيء، وقرأها أبو عمرو بالألف على الأصل، والفاعل بحاش ضميرُ يوسف، أي: بعد يوسف عن الفاحشة لخوف الله. وقال الزمخشري: حاش، وضع موضع المصدر، كأنه قال: تنزيهاً لله. وحذف منه التنوين مراعاة لأصله من الحرفية. وقال البيضاوي: هو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، فوضع موضع التنزيه. واللام للبيان، كما في قولك: سقيا لك. هـ. وليكونن: نون التوكيد الخفيفة كتبت بالألف لشبهها بالتنوين. يقول الحق جل جلاله: { وقال نسوة في المدينة }: مصر، وكانوا خمساً: زوجة الحاجب، والساقي، والخباز، والسجان، وصاحب الدواب. قلن: { امرأةُ العزيزُ تُراودُ فتاها }: خادمها { عن نفسه } أي: تطلب مواقعه غلامهِا إياها، { قد شَغَفَها حُبَّاً } قد دخل شغاف قلبها حُبُّه، وهو غلافه، { إنا لنراها في ضلالٍ مبين } في خطأ عن الرشد بيِّن ظاهر. { فلما سمعتْ بمكرهنّ } باغتيابهن. وسماه مكراً لأنهن أخفينَه كما يخفي الماكر مكره. وقيل: كانت اسْتَكتَمَتهن سرها فأفشينه. فلما بلغها إفشاؤه { أرسلتْ إليهن } تدعوهن. قيل: دعت أربعين امرأة فيهن الخمس. { وأعتدتْ }: أعدت { لهن مُتكأ } ما يتكئن عليه من الوسائد ونحوها. وقيل: المتكأ: طعام، فإنهم كانوا يتكئون للطعام عند أكله، وقرئ في الشاذ: " مَتْكاً " ، بسكون التاء وتنوين الكاف، وهو الأترج. { وآتتْ كل واحدةٍ منهن سكّيناً } ليقطعن به. وهذا يدل على أن الطعام كان مما يقطع بالسكاكين كالأترج. وقيل: كان لحماً. { قالت اخْرُجْ عليهن } ، فأسعفها لأنه كان مملوك زوجها، فخرج عليهن، { فلما رأينه أكْبَرْنَهُ }: عظمن شأنه وجماله الباهر، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رأيتُ يُوسفَ لَيلَةَ المعراج كالقَمَر لَيلَةَ البَدْرِ " وقيل: كان يُرى تلألؤ وجهه على الجدران. { وقطّعن أيديَهُنَّ } ، جرحنها بالسكين لفرط الدهشة، اشتغلن بالنظر إليه، وبُهتْن من جماله حتى قطعن أيديهن، وهُنَّ لا يشعرن، كما يقطع الطعام. { وقُلْنَ حاشَ لله } تنزيهاً له عن صفات العجز عن أن يخلق مثله. أو تنزيهاً له أن يجعل هذا بشراً. اعتقدوا أن الكمال خصاص بالملائكة، وكونه في البشر في حيز المحال، أو تعجباً من قدرته على خلق مثله. { ما هذا بشراً } لأن هذا الجمال غير معهود للبشر. { إن هذا إلا مَلَكٌ كَريمُ } على الله لأن الجمع بين الجمال الرائق، والكمال الفائق، والعصمة البالغة، من خواص الملائكة.

السابقالتالي
2 3