الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

قلت: المراودة: المطالبة، من راد يرود: إذا جاء وذهب لطلب الشيء، ومنه الرائد. وهيت: اسم فعل معناه: تعال، أو أقبل، مبني على الفتح كأين، واللام للتبيين، كالتي في سقيا لك، وقرأ ابن كثير: بالضم، تشبيهاً بحيث، ونافع وابن عامر بالفتح، وهي لغة فيه. وقرئ: " هئْت " بالهمز كجئت، من هَاءَ يهيء: إذا تهيأ. ومعاذ الله: مصدر لمحذوف، أي: أعوذ بالله معاذاً. وإنه: ضمير الشأن. ولولا: حرف امتناع، وجوابها محذوف، أي: لخالطها، ولا يجوز أن يكون وهمَّ بها: جوابها لأن حكمها حكم الشرط، فلا يتقدم عليها جوابها. قاله البيضاوي. قلت: وبهذا يُرد على من وقف على همت به، كالهبطى، ومن تبعه، إلا أن يُحمل على أنه ابتداء كلام مع حذف الجواب. واستحسنه البعض ليكون همُّ يوسف خارجاً عن القسم، وكذلك: في موضع المصدر، أي: ثبتناه مثل ذلك التثبيت لنصرف.. الخ، والمخلصين بالفتح: اسم مفعول من: أخلصه الله. وبالكسر: اسم فاعل بمعنى أخلص دينه لله. يقول الحق جل جلاله: { وراودتْه } للفاحشة، أي: تمحلت وطلبت منه أن يوافقها { التي هو في بيتها } وهي زليخا. وترك التصريح بها استهجاناً. فراودته عن نفسه، { وغلقتِ الأبوابَ } ، قيل: كانوا سبعة. والتشديد للتكثير، أو للمبالغة في الإيثاق، { وقالت هَيت لك } أي: أقبل وبادر، أو تهيأتُ لك. رُوي أنها تزينت بأحسن ما عندها، وقالت: تعالى يا يوسف، { قال مَعَاذَ الله } أي: أعوذ بالله معاذاً، { إنه } أي: الشأن، { ربي أحسن مثواي } سيدي أحسن إقامتي وتربيتي، إذ قال لك أكرمي مثواي، فما جزاؤه أن أخونه في أهله، أو أنه تعالى ربي أحسن مَنزلي بأن عطف عَلَيَّ قلبَ سيدي، ولطف بي في أموري، فلا أعصيه، { إنه لا يُفلح الظالمون } المجاوزون الإحسان إلى الإساءة، أو الزناة فإن الزنى ظلم على الزاني والمزنيّ بأهله. { ولقد هَمَّتْ به وهمَّ بها } ، قال ابن جزي: أكْثََرَ الناسُ الكلامَ في هذه الآية، حتى ألفوا فيها التآليف، فمنهم مفرط ومُفرّط وذلك أن منهم من جعل هَمَّ المرأة وهَمَّ يوسف من حيث الفعل الذي أرادته. وذكروا من ذلك روايات من جلوسه بين رجليها، وحله للتكَّة، وغير ذلك مما لا ينبغي أن يقال به لضعف نقله ولنزاهة الأنبياء عن مثله، ومنهم من قال: همت به لتضربه على امتناعه، وهَمَّ بها ليقتلها أو يضربها ليدفعها. وهذا بعيد يرده قوله: { لولا أن رأى برهان رَبِّهِ }. ثم قال: والصواب ـ إن شاء الله ـ: أنها همت به من حيث مرادُها، وهَمَّ بها كذلك، لكنه لم يعزم على ذلك، ولم يبلغ إلى حد ما ذكر من حل التكَّة، بل كان همه خطرة خطرت على قلبه، ولم يتابِعها، ولكنه بادر إلىالتوبة والإقلاع عن تلك الخطرة، حتى محاها من قلبه، لمَّا رأى برهان ربه.

السابقالتالي
2 3 4 5