الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

قلت: بضاعة: حال من المفعول، أي: وأخفوه مبضعاً به للتجارة. ولنعلمه: عطف على محذوف، أي: مكناه في الأرض ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه. إلخ. ودراهم: بدل من ثمن. قال الهروي: الأَشُدَّ: من خمسة عشر إلى أربعين سنة. وهو جمع شدة، مثل: نعمة وأنعم، وهي: القوة والجلادة في البدن والعقل. هـ. يقول الحق جل جلاله: { وجاءت سيارة } رفقة تسير من مدين إلى مصر، فنزلوا قريباً من الجب، وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه. { فأرسلوا واردَهم } الذي يرد الماء، ويستقي لهم، وهو: مالك بن ذعر الخزاعي، { فأدلى دلوه } أرسلها في الجب ليملأها، فتعلق بها يوسف، فلما رآه، { قال يا بشرى هذا غلام } نادى البشرى، بشارة لنفسه، أو لقومه، كأنه قال: تعالِ هذا أوانك. وقيل: اسم لصاحبه، ناداه ليعينه على إخراجه فأخرجوه، { وأسروه } أي: أخفاه الوارد، وأصحابه عن الرفقة، وقالوا: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه بمصر، حال كونه { بضاعة } أي: متاعاً مبضعاً به للتجارة، أي: يباع ويتجر بثمنه. { والله عليم بما يعملون } لم يخف عليه اسرارهم. { وشَرَوه } أي: باعه السيارة من الرفقة، أو إخوته، فيكون الضمير راجع لهم. رُوي أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام، فأتاه يومئذٍ فلم يجده فيها، وأخبر إخوته فأتوا الرفقة، وقالوا: هذا غلامنا فاشتروه، وسكت يوسف خوفاً من أن يقتلوه. أو اشتروه من إخوته لأن شرى قد يستعمل بمعنى اشترى. فاشتراه الرفقة منهم { بثمن بَخْسٍ } أي: مبخوس، لزيفه أو نقصانه، { دراهم مَعدودةٍ } قليلة، فإنهم يَزنُون ما بلغ الأوقية، ويعدُّون ما دونها. قيل: كان عشرين درهماً. وقيل: اثنين وعشرين. رُوي أن الذي اشتراه منهم مالك بن ذعر المتقدم، وكان صعلوكاً، فسأل يوسف أن يدعو له فدعا له فصار غنياً. رُوي أنه قال لهم: بكم تبيعونه؟ فقالوا له: إن اشتريته بعيوبه بعناه لك. فقال: وما عيوبه؟ فقالوا: سارق كذاب، يرى الرؤيا الكاذبة. فقال لهم: بكم تبيعونه لي مع عيوبه؟ ويوسف عليه السلام ينظر إليهم ولا يتكلم، وهو يقول في نفسه: ما أظنه يقوم بثمني لأنهم يطلبون أموالاً كثيرة. قال لهم مالك: معي دراهم قليلة تعد ولا توزن، فقالوا له: هاتها. فاشتراه منهم بتلك الدراهم المعدودة. قال ابن عباس: كانت سبعة عشر درهماً، جعل له ذلك جزاء لما قوم نفسه، وظن أنهم يطلبون في الأموال. هـ. { وكانوا فيه من الزاهدين }: الراغبين عنه. يحتمل أن يكون الضمير لإخوته، وزهدهم فيه ظاهر. أو يكون للرفقة فإن بائعين كانوا بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه، وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق. قال الفراء: لما اشتراه منهم مالك، قال لهم: اكتبوا لي كتاباً بخطكم بأنكم بعتم مني هذا الغلام بكذا وكذا، فكتبوا له ذلك، فلما أراد الرحيل قالوا له: اربطه لئلا يهرب، فلما همَّ بربطه قال له يوسف: خلني أودِّع ساداتي فَلَعَلَّي لا ألقاهم بعد هذا اليوم.

السابقالتالي
2 3