الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قلت: لمّا حرف وجود لوجود، يطلب الشرط والجواب، وجوابها هنا محذوف، أي: فعلوا به ما فعلوا. وقيل: جوابها: أجمعوا، وقيل: أوحينا على زيادة الواو فيهما. وجملة: وهم لا يشعرون: حال من تنبئنهم، فيكون خطاباً ليوسف عليه السلام، أو من أوحينا أي: وهم لا يشعرون حين أوحينا إليه. فيكون حينئذٍ الخطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وصبر جميل: مبتدأ، والخبر محذوف، أي: مثل. أو: خبر عن مبتدأ، أي: أمري صبر جميل. وعلى قميصه: في موضع نصب على الظرف، أي: فوق قيمصه. أو: حال من الدم إن جوز تقديمها على المجرور. يقول الحق جل جلاله: فلما ذهبوا بيوسف معهم { وأجْمَعُوا } أي: عزموا { أن يجعلوه في غيابات الجُبِّ } وهو بئر بأرض الأردن، أو بين مصر ومدين، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب. قال الفراء: كان حفره شداد بن عاد. فانظره. قال السدي: ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيماً. فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح: يا أبتاه، يا يعقوب، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء. هـ. وكان إخوته سبعة من خالته الحرة، والباقون من سريتين له، كما تقدم. وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان يعقوب عليه السلام ينظر إلى يوسف عليه السلام حتى غاب عنه، وعن نظره، فلما علموا أنهم غيبوه عنه، وضعوه في الأرض وجروه عليها، ولطموا خده، فجرد شمعون سكينه وأراد ذبحه، فتعلق بذيل روبيل وضربه، وكذلك جيمع إخواته إذا لجأ لواحد منهم طرده، فضحك عند ذلك يوسف عليه السلام فقال له يهوذا: ليس هذا موضع الضحك يا يوسف، فقال: من تعزز بغير الله ذل، ظننت أنه لا يصيبني وأنا بينكم مكروه لما رأيت من قوتكم وشدتكم، فسلطكم الله علي بشؤم تلك الفكرة حتى لا يكون التوكل إلا عليه والتعزز إلا به. هـ. بالمعنى. وقال الفراء: كانت زينب بنت يعقوب عليه السلام ـ أخت يوسف ـ وكانت رأت في منامها كان يوسف وضع بين الذئاب وهم ينهشون، فانتبهت فازعة، ومضت إلى أبيها باكية، فقالت: يا أبت، أين أخي يوسف؟ قال: أسلمته إلى إخواته، فمضت خلفه حتى لحقت به، فأمسكته، وتعلقت بذيله، وقالت: لا أفارقك اليوم يا أخي أبداً، فقال لها إخوتها: يا زينب، أرسليه من يدك، فقالت: لا أفعل ذلك أبداً لأني لا أطيق فراق أخي، فقالوا: بالعشي نرده إليك ويأتيك. ثم أقبل يوسف عليه السلام يقبل رأسها ويديها، ويقول لها: يا أختاه دعيني أسير مع إخوتي أرتع وألعب، فذهب، وجلست تشيعه بعينها، ودموعها تتناثر مما رأت خوفاً عليه.

السابقالتالي
2 3