الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } * { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

قلت: " مفسدين ": حال مؤكده لمعنى عاملها، وهو: " لا تعثوا ". وفائدة ذكره: إخراج ما يُقصد به الإصلاح، كما فعله الخضر عليه السلام. يقول الحق جل جلاله: { و } أرسلنا { إلى مَدْيَنَ أخاهم شعيباً } ، أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام أو أهل مدين، وهي بلدهُ، فسميت باسمه، { قال يا قوم اعبدوا الله } وحده { ما لكم من إله غيره ولا تَنقُصوا المكيالَ والميزان } ، وكانوا مطففين. أمرهم أولاً بالتوحيد فإنه رأس الأمر، ثم نهاهم عما اعتادوا من: البخس المنافي للعدل، المخل بحكمة المعاوضة، ثم قال لهم: { إني اراكم بخيرٍ } بسعة كرخص الأسعار، وكثرة الأرزاق، فينبغي أن تشكروا عليها، وتتعففوا بها عن البخس، لا أن تنقضوا الناس حقوقهم، أو بسعة ونعمة، فلا تزيلوها بما أنتم عليه فإن من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، { وإني أخاف عليكم عذابَ يوم محيط } يوم القيامة، فإنه محيط بكل ظالم، أو عذاب الاستئصال في الدنيا، ووصف اليوم بالإحاطة، وهي صفة العذاب لاشتماله عليه. { ويا قوم أوفوا الميكالَ والميزان بالقسط } بالعدل من غير زيادة ولا نقصان. صرح بالأمر بالاستيفاء بعد النهي عن ضده مبالغةً، وتنبيهاً على أنهم لا يكفيهم الكف عن تعمد التطفيف، بل يلزمهم السعي في الإيفاء ولو بالزيادة، حيث لا يتأتى دونها، وقد تكون الزيادة محظورة، ولذلك أمرهم بالعدل في قوله: بالقسط، بلا زيادة ولا نقصان. { ولا تبخسوا الناسَ أشياءهم } لا تنقصوهم حقهم، وهو تعميم بعد تخصيص، فإنه أعم من أن يكون في الميزان والمكيال وفي غيره، وكذا قوله: { ولا تَعْثَوا في الأرض مفسدين } فإن العثو ـ وهو الفساد ـ يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد. وقيل: المراد بالبخس: المكس، كأخذ العشور في المعاملات، والعثو: السرقة وقطع الطريق والغارة، وأكد بقوله: { مفسدين } وفائدته: إخراج ما يقصد به الإصلاح، كما فعل الخضر عليه السلام، وقيل: معناه: مفسدين أمر دينكم ومصالح آخرتكم. قاله البيضاوي. { بقيةُ اللَّهِ } أي: ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزه عن الحرام، { خيرٌ لكم } مما تجمعون بالتطفيف، { إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان يقتضي الاكتفاء بالحلال عن الحرام. أو إن كنتم مؤمنين فالبقية خير لكم، فإن خيريتها تظهر باعتبار الثواب والنجاة من العذاب، وذلك مشروط بالإيمان، أو: إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم. وقيل: البقية: الطاعة، كقولهوَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ } [الكهف: 46]. وقرئ: " تقية الله " بالتاء المثناة، وهي تقواه التي تكف عن المعاصي، { وما أنا عليكم بحفيظٍ } أحفظ عليكم أعمالكم، وأجازيكم عليها، إنما أنا نذير وناصح مبلغ، وقد أعذرت حين أنذرت. أو: أحفظكم عن القبائح وأمنعكم منها. أو: لست بحافظ عليكم نعم الله إن سُلبت عنكم بسوء صنيعكم.

السابقالتالي
2