الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } * { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

قلت: سيء: مبني للمفعول، صلة: سَوِئ، نُقلت حركة الواو إلى السين بعد ذهاب حركتها، ثم قلبت الولو ياء. وذرعاً: تمييز محول عن الفاعل، أي: ضاق ذرعه، وهو كناية عن شدة الانقباض عن مدافعة الأمر المكروه، وعجزه عن مقاومته. ولو أن لي بكم قوة: إما للتمني فلا جواب له، أو محذوف، أي: لدفعت. وفيأَسْرَ لغتان: قطع الهمزة من الإسراء، ووصلها من السُّرى، وقرئ بهما معاً، وإلا امرأتك الرفع بدل من أحد، وبالنصب منصوب بالاستثناء من فأسر بأهلك. ومنشأ القراءتين: هل أخرجها معه، فالتفتت أم لا؟ فمن رفع ذهب إلى أنه أخرجها. ومن نصب ذهب إلى أنه لم يسر بها، وهما روايتان. يقول الحق جلاله: { ولما جاءت رسلُنا } ، وهم الملائكة المتقدمون، { لوطاً سِيءَ بهم } ساءه مجيئهم لأنهم أتوه في صورة غلمان حسان الوجوه، فظن أنهم بشر، فخاف عليهم من قومه أن يقصدوهم للفاحشة، ولا يقدر على مدافعتهم، { وضاقَ بهم ذرعاً } أي: ضاق صدره بهم، { وقال هذا يومٌ عصيبٌ }: شديد من عصبه: إذا شده، ورُوي أن الله تعالى قال لهم: لا تهلكوا قومه حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله، قال لهم: أما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بالله أنها شرُّ قرية في الأرض عملاً. قال ذلك أربع مرات. فدخلوا منزله، ولم يعلم بذلك أحد، فخرجت امرأته فأخبرتهم، { وجاءه قومُه يُهرَعُون } يُسرعون { إليه } كأنهم يُدفعون إليه دفعاً، لطلب الفاحشة من أضيافه. { ومن قبل } ذلك الوقت { كانوا يعملون السيئات } الفواحش، كاللواطة، وغيرها، مستمرين عليها مجاهرين بها، حتى لم يستحيوا وجاؤوا يهرعون إليها. { قال يا قوم هؤلاء بناتي } تزوجوهن، وكانوا يطلبونهن قبل، فلا يجيبهم لخبثهم، وعدم كفاءتهم، لا لحرمة المسلمات على الكفار، فإنه شرع طارئ قال ابن جزي: وإنما قال لهم ذلك ليقي أضيافه ببناته. قيل: إن اسم بناته، الواحدة: ريثا، والأخرى: غوثاً. هـ. ولم يذكر الثالثة، فعرضهن عليهم، وقال: { هنَّ أطهرُ لكم } أحل لكم، أو أقل فحشاً، كقولك: الميتة أطيب من المغضوب، { فاتقوا الله } بترك الفواحش، { ولا تُحزون } لا تفضحوني { في ضيفي } في شأنهم، فإن افتضاح ضيف الرجل خزي له. { أليس منكم رجلٌ رشيدٌ } عاقل يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح. { قالوا لقدْ علمتَ ما لنا من بناتك من حقٍّ } من حاجة، { وإنك لتعلم ما نُريد } وهو إتيان الذكران، { قال لو أن لي } ليت لي { بكم قوةً } طاقة على دفعكم بنفسي، { أو آوي إلى ركن شديد } أو ألجأ إلى أصحاب أو عشيرةٍ يحمونَني منكم، شبه ما يتمتع بهم بركن الجبل في شدته، قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3