الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } * { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } * { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }

قلت: " سلاماً ": منصوب على المصدر، أي: سلمنا سلاماً. ويجوز نصبه بقالوا لتضمنه معنى ذكروا. قال سلام: إما خبر، أي: أمرنا سلام، أو جواب سلام، وإما مبتدأ، أي: عليكم سلام. وكسر السين: لغة، وإنما رفع جوابه ليدل على ثبوت سلامة فيكون قد حياهم بأحسن مما حيوه به. فما لبث أن جاء. " ما ": نافية و " أن جاء ": فاعل " لبث ". ونكر وأنكر بمعنى واحد. والإيجاس: الإدراك أو الإضمار. ومن وراء إسحاق يعقوب: من قرأ بالنصب فبفعل دل عليه الكلام، أي: ووهبنا لها يعقوب. ومن رفعه فمبتدأ، أي: ويعقوب مولود من بعده. وشيخاً: حال، والعامل فيه: الإشارة، أي: أشير إليه شيخاً. وأهل البيت: نصب على المدح والاختصاص، أو على النداء. يقول الحق جل جلاله: { ولقد جاءت رسُلنا إبراهيمَ } ، وهم الملائكة، وقيل: ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل: تسعة جاؤوه { بالبُشرى } بالولد. فلما دخلوا عليه { قالوا سلاماً } أي: سلمنا عليك سلاماً، أو ذكروا سلاماً، { قال سلام } أي: عليكم سلام، { فما لبثَ } أي: أبطأ، { أن جاء بعجل حَنيذ } مشوي بالرضف، أي: بالحجر المحمي. وقيل: حنيذ بمعنى يقطر ودكه. كقوله:بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [الذاريات: 26]، فامتنعوا من أكله، { فلما رأى أيديَهم لا تصل إليه } لا يمدون إليه أيديهم، { نَكرهم } أي: أنكر ذلك منهم، { وأوجس }: أدرك، أو أضمر { منهم خفيةً } أي: خوفاً، خاف أن يريدوا به مكروهاً لامتناعهم من طعامه، وكان من عادتهم إذا مس من يطرقهم طعامهم أمنوه، وإلا خافوه. والظاهر أنه أحسَ بأنهم ملائكة ونكرهم لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله عليه فأمنوه، وقالوا: { لا تخفْ إنا } ملائكة { أرسلنا إلى قوم لوطٍ } لنعذبهم، وإنما لم نأكل طعامك لأنا لا نأكل الطعام. { وامرأته قائمة } من وراء ستر تسمع محاورتهم، أو على رؤوسهم للخدمة، { فضحكتْ } سروراً بزوال الخيفة، أو بهلاك أهل الفساد، أو بإصابة رأيها، فإنها كانت تقول لإبراهيم: اضمم إليك لوطاً، فإني لأعلم أن العذاب نازل بهؤلاء القوم. وقيل: معنى ضحكت: حاضت. يقال: ضحكت الشجرة: إذا سال صَمغُها. وقيل: ضحكت سروراً بالولد الذي بُشرت به. فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: فبشرناها فضحكت، وهو ضعيف. قال تعالى { فبشرناها بإسحاقَ ومن وراء إسحاق يعقوبَ } ولد ولدها. وتوجيه البشارة إليها لأنه من نسلها، ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد، { قالت يا ويلتا } يا عجباً، وأصله في الشر، فأطلق على كل أمر فظيع. وقرئ بالياء على الأصل، أي: يا ويلتي { أألدُ وأنا عجوزٌ } ابنة تسعين، أو تسع وتسعين { وهذا بَعْلِي }: زوجي، وأصله: القائم بالأمر، { شيخاً } ابن مائة أو مائة وعشرين سنة، { إنَّ هذا لشيء عجيب } يتعجب منه لكونه نشأ الولد من هرمين.

السابقالتالي
2