الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

قلت: وإنَّ وعدك: عطف على إن ابني. وأنت أحكم: حال من الكاف. وإني أعظك: مفعول من أجله، أي: كراهية أن تكون من الجاهلين. يقول الحق جل جلاله: { ونادى نوحٌ ربَّه } بعد تعميم الغرق، أي: أراد النداء بدليل عطف قوله: { فقال ربِّ إنَّ ابني من أهلي } ، فإنه هو النداء، أو تكون فصيحة، جواباً عن مقدر، كأن قائلاً قال: ماذا في ندائه؟ فقال: إن ابني من أهلي وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي، { وإن وعَدَكَ الحقُّ } لا يتطرقه الخلف، فما باله غرِق؟ { وأنت أحكمُ الحاكمين } لأنك أعلمهم وأعدلهم، فلم أعرف وجه حكمك عليه بالغرق. أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم، فلم أفهم حكمة غرقه. { قال } تعالى: { يا نوح إنه ليس من أهلك } لأنه خالفك في الدين، ولا ولاية بين الكافر والمؤمن، { إنه عملٌ غير صالح } أي: ذو عمل فاسد. جعل ذاته نفس العمل مبالغةً. وقرأ الكسائي ويعقوب: عَمِلَ بلفظ الماضي. أي: عمل عملاً فاسداً. استحق به البعد عنك. أو: إنه ـ أي سؤالك ـ عملٌ غير صالح. ويقوي هذا قراءة ابن مسعود: " إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم، وقراءة الجماعة: { فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ } أصواب هو أم لا، حتى تقف على كنهه. وإنما سمي نداءه سؤالاً لتضمنه معنى السؤال، بذكر الوعد واستنجازه واستفسار المانع. ثم وعظه بقوله: { إني أعظُكَ أن تكون من الجاهلين } أي: إني أعظك كراهة أن تكون من الجاهلين الذين يسألون ما لا يوافق القدر. وقد استثنيته بقولي: { إلا من سبق عليه القول }. وليس فيه وصفه بالجهل، بل وعظه لئلا يقع فيه، والحامل له على السؤال، مع أنه استثنى له غلبة الشفقة على الولد مع كونه لم يتحقق أنه ممن سبق عليه القول. { قال } نوح: يا { رب إني أعوذُ بك أن أسألكَ } في المستقبل { ما ليس لي به علمٌ } ما لا علم لي بصحته. { وإلا تغفرْ لي } ما فرط مني من السؤال، { وترحمني } بالتوبة، تفضلاً وإحساناً، وبالتوفيق والعصمة في المستقبل، { أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } بسوء أدبي معك. الإشارة: قال الورتجبي: أدَّب نبيه نوحاً عليه السلام بأن لا يسأل إلا ما وافق القدر. كل دعاء لم يوافق مراده تعالى في سابق علمه لم يؤثر في مراد الداعي. وقوله: { إنه عمل غير صالح } أي: ليس عمله على موافقة السنة، ثم وعظه، وقال: { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } ، الجاهل: من جهل قدر الله، أي: أنزهك عن سوء الأدب في السؤال، على غير قاعدة مرادك. هـ. وقال في الحكم: " ليس الشأن وجوب الطلب، وإنما الشأن أن ترزق حسن الأدب ". ثم أمره بالنزول إلى الأرض من السفينة، فقال: { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا }.