الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } * { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قلت: ومن تاب: عطف على فاعل استقم للفصل، فَتَمَسَّكُمُ: جواب النهي. ويقال: ركن يركن: كعَلِم يعلم، وركن يركن: كدخل يدخل، وثم لا تنصرون: مستأنف لا معطوف، وطرفي: منصوب على الظرفية. وزلفاً، كقربة، أزلفه: قربة. يقول الحق جل جلاله: { فاستقمْ } يا محمد { كما أُمرت } ، { و } ليستقم { من تابَ معك } من الكفر وآمن بك. وهي شاملة للاستقامة في العقائد، كالتوسط بين التشبيه والتعطيل، بحيث يبقى العقل مصوناً من الطرفين، وفي الأعمال من تبليغ الوحي، وبيان الشرائع كما أنزل، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط ولا إفراط. وهي في غاية العسر. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " شَيَّبَتنِي هُود " قاله البيضاوي. قال المحشي الفاسي: واللائق أن إشفاقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أجل أمته لا من أجل نفسه لأجل نفسه لأجل عصمته، وإنما أشفق عليهم لتوعد اللعن لهم بقوله:لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16]. هـ. قلت: ولا يبعد أن يكون أشفق ـ عليه الصلاة والسلام ـ من صعوبة استقامته التي تليق به، فبقدر ما يعلو المقام يطلب بزيادة الأدب، وبقدر ما يشتد القرب يتوجه العتاب. ولذلك كان الحق تعالى يعاتبه على ما لا يعاتب عليه غيره. وقد قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقد تقدم كلام الإحياء في قوله:أَلا بُعداً لِعَادٍ } [هود: 60]. ثم قال تعالى: { ولا تَطْغَوا } ولا تخرجوا عما حد لكم، { إنه بما تعملون بصير } ، فيجازيكم على النقير والقطمير، وهو تهديد لمن لم يستقم، وتعليل للأمر والنهي. { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا }: لا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون: هو الميل اليسير، كالتزيي بزيهم، وتعظيم ذكرهم، وصحبتهم من غير تذكيرهم ووعظهم. { فتمسَّكم النارُ } لركونهم إليهم. قال الأوزاعي: ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عَالِم يَزورُ عَاملاً. هـ. وقال سفيان: في جهنم وادٍ لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك. هـ. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دَعَا لِظَالٍمٍ بالبَقَاءِ ـ أي بأن قال: بارك الله في عمرك ـ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى الله في أرضهِ " وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية، هل يسقى شربة ماء؟ فقال: لا. فقيل له: يموت؟! فقال: دعه يموت. هـ. وهذا إغراق ولعله في الكافر المحارب، والله أعلم. قال البيضاوي: وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلماً موجباً للنار، فما ظنك بالركون إلى الظالمين الموسومين بالظلم، ثم الميل إليهم، ثم بالظلم نفسه، والانهماك فيه. ولعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه. وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل فإن الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط أو تفريط، ظلم على نفسه أو غيره، بل ظلم في نفسه.

السابقالتالي
2 3