الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } * { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } * { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { أرأيت الذي يُكذِّبُ بالدين } استفهام أُريد به تشويق السامع إلى معرفة مَن سبق له الكلام والتعجب منه، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل سامع. والرؤية بمعنى المعرفة، والفاء في قوله: { فذلك الذي يَدُعْ اليتيمَ }: جواب شرط محذوف، والمعنى: هل عرفتَ هذا الذي يُكذِّب بالجزاء أو بالإسلام، فإنْ أردت أن تعرفه فهو الذي يَدُعُّ أي: يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً، ويزجره زجراً قبيحاً، قيل: هو أبو جهل، كان وصيًّا ليتيم، فأتاه عُرياناً يسأله مِن مال نفسه فدفعه دفعاً شديداً وقيل: هو الوليد بن المغيرة، وقيل: العاص بن وائل. وقيل: أبو سفيان، نحر جزوراً فسأله يتيمٌ لحماً فقرعه بعصاه، وقيل: على عمومه. وقُرىء: " يَدَع " أي: يتركه ويجفوه. { ولا يَحُضُّ } أهلَه وغيرهم من الموسرين { على طعام المسكين } فأَولى هو لا يُطعمه، جعل علامة التكذيب بالجزاء: منع المعروف، والإقدام على أذى الضعيف إذ لو آمن بالجزاء، وأيقن بالوعيد، لخشي عقاب الله وغضبه. { فويل للمُصَلِّين الذي هم عن صلاتهم ساهون } غير مبالين بها، { الذين هم يُراؤون } الناس بأعمالهم، ليُمدحوا عليها، { ويمنعونَ الماعونَ } أي: الزكاة. نزلت في المنافقين لأنهم كانوا يسهون عن فعل الصلاة، أي: لا يُبالون بها، لأنهم لا يعتقدون وجوبها. قال الكواشي عن بعضهم: ليس المراد السهو الواقع في الصلاة الذي لا يكاد يخلو منه مسلم، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يسهو، ويُعضد هذا ما رُوي عن أنس أنه قال: الحمد لله الذي لم يقل " في صلاتهم " لأنهم لمّا قال: " عن صلاتهم " كان المعنى: أنهم ساهون عنها سهو ترك وقلة مبالاة والتفات إليها ولو قال " في صلاتهم " كان المعنى: أنّ السهو يعتريهم وهم في الصلاة، والخلوص من هذا شديد. وقيل " عن " بمعنى " في " ، أي: في صلاتهم ساهون. ثم قال عن ابن عطاء: ليس في القرآن وعيد صعب إلاّ وبعده وعيد لطيف، غير قوله: { فويل للمصلِّين.. } الآية، ذكر الويل لمَن صلاّها بلا حضور في قلبه، فكيف بمَن تركها رأساً؟ فقيل له: ما الصلاة؟ فقال: الاتصال بالله من حيث لا يعلم إلاّ الله. ثم قال الكواشي: ومما يدل على أنَّ مَن شَرَعَ في الصلاة خالصاً لله، واعترضه السهو مع تعظيمه للصلاة ولشرائع الإسلام، ليس بداخل مع هؤلاء: أنه وصفهم بقوله: { الذين هم يراؤون }. ثم قال: وفي اجتناب الرياء صُعوبة عظيمة، وفي الحديث: " الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على المسح الأسود " وقال بعضهم: هم الذين لا يُخلصون لله عملاً، ولا يُطالبون أنفسهم بحقيقة الإخلاص ولا يَرِد عليهم وارد من ربهم يقطعهم عن رؤية الخلق والتزيُّن لهم.

السابقالتالي
2