الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } * { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } * { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } * { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } * { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } * { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } * { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } * { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ويلٌ لكل هُمَزَةٍ لُمزةٍ } ، " ويل ": مبتدأ، و " لكل ": خبره، والمُسوِّغ: الدعاء عليهم بالهلاك، أو بشدة الشر، والهَمْز: الكسر، واللمز: الطعن، أي: ويل للذي يحط الناس ويُصغِّرهم، ويشتغل بالطعن فيهم. قال ابن جزي: هو على الجملة: الذي يعيب الناسَ ويأكل أعراضَهم، واشتقاقه من الهمز واللمز، وصيغة فعْلَة للمبالغة، واختلف في الفرق بين الكلمتين، فقيل: الهمز في الحضور، واللمز في الغيبة، وقيل العكس، وقيل: الهمز باليد، واللمز باللسان. وقيل: هما سواء. ونزلت السورة في الأخنس بن شريق، لأنه كان كثير الوقيعة في الناس، وقيل: في آميّة بن خلف، وقيل: في الوليد بن المغيرة. ولفظها مع ذلك يعم كل مَن اتصف بهذه الصفة. هـ. وبناء " فُعَلة " يدل أن ذلك عادة منه مستمرة. وقوله: { الذي جَمَعَ مالاً }: بدل من " كل " ، أو: نصب على الذم، وقرأ حمزة والشامي والكسائي " جَمَّعَ " بالتشديد للتكثير، وهو الموافق لقوله: { عدَّده } أي: جعله عُدَّةً لحوادث الدهر، { يَحْسَبُ أنَّ مالَه أخلده } أي: يتركه خالداً في الدنيا لا يموت، وهو تعريض بالعمل الصالح فإنه أخلد صاحبه في النعيم المقيم، فأمَّا المال فما أخلد أحداً، إنما يخلد العلم والعمل، ومنه قول علِيّ كرّم الله وجه: مات خُزّان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر فالحسبان إمّا حسبان الخلود في الدنيا أو في الآخرة، كما قال القائل:وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي... } [الكهف:36] الآية. { كلاَّ } ردع له عن حسبانه. { لَيُنْبَذَنَّ } ليطرحن { في الحُطَمَة } في النار التي من شأنها أن تحطم كلَّ ما يُلقى فيها، { وما أدراك ما الحُطَمَة } تهويل لشأنها، { نارٌ الله الموقدة } أي: هي نار الله التي تتقد بأمر الله وسلطانه، { التي تَطَّلِعُ على الأفئدة } يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم، وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من فؤاده ولا أشد تألُّماً منه بأدنى أذى يمسّه، فكيف إذا طلعت عليه نار جهنم، واستولت عليه؟ وقيل: خصّ الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الزائغة، ومعنى اطلاع النار عليها: أنها تشتمل عليها وتعمها. { إِنها عليهم } أي: النار، أو الحُطَمَة، { مُّؤْصَدَةٌ } مُطبقة { في عَمَدٍ } جمع عماد. وفيه لغتان " عُمُد " بضمتين، و " عَمَد " بفتحتين، { مُمَدَّدة } أي: تؤصد عليهم الأبواب وتُمدّد على الأبواب العمد، استيثاقاً في استيثاق، والجار صفة لمؤصدة. وفي الحديث: " المؤمن كَيِّسٌ فَطنٌ، وقّاف متثبّت، لا يعجل، عالم، ورع، والمنافق هُمزة، لُمزة، حُطَمَة كحاطب الليل، لا يُبالي من أين اكتسب وفيم أنفق ". الإشارة: ويل لمَن اشتغل بعيب الناس عن عيوب نفسه، قال الورتجبي: ويل الحجاب لمَن لا يرى الأشياء بعين المقادير السابقة، حتى يشتغل بالوقيعة في الخلق بالحسد، وهو مقبل على الدنيا بالجمع والمنع.

السابقالتالي
2